ذهب القطار وبقيت المحطة

TT

لم تحلم دولة استعمارية بالشرق الأوسط كما حلمت به ألمانيا، ولم تخفق دولة في الوصول إليه كما أخفقت ألمانيا. منذ القيصر فيلهلم الثاني إلى أدولف هتلر، أرادت برلين «الاتجاه نحو الشرق» لكن دائما يسبقها سوء الحظ. تحالفت مع أكبر شريك في المنطقة، الإمبراطورية العثمانية، لكن في الوقت الذي كانت الإمبراطورية تعتل في نهاياتها، مثل كل إمبراطورية سبقتها. وفي الحرب العالمية الثانية، أرسلت برلين ألمع جنرالاتها، رومل، يشق الطريق إلى السويس ومنها إلى النفط، لكن بريطانيا أرسلت في وجهه أربعة من ألمع عسكرييها. وحاولت برلين الدخول عن طريق العرب، كما فعلت بريطانيا من قبل، لكن رشيد عالي الكيلاني أخفق في بغداد، كما أخفق الحاج أمين الحسيني في فلسطين.

أرادت برلين، في مواجهة البحرية البريطانية الأسطورية، أن تذهب إلى العرب برا عبر خط حديدي يربطها ببغداد عبر إسطنبول. ولم يبق من ذلك الحلم سوى محطة حيدر باشا على البوسفور.

يقول شون ماكمكين في مؤلف جديد ساحر بعنوان «قطار برلين - بغداد السريع» إنه فيما ذهب البريطانيون إلى البلدان الموبوءة بالملاريا، والأميركيون نحو المحيط الهادي، والروس إلى سيبيريا وآسيا الوسطى، والفرنسيون والبلجيكيون إلى أفريقيا، اختار القيصر أن يذهب إلى مهد الحضارة في الشرق الأدنى.

في خليط من الرومانسية والرؤية السياسية، أراد فيلهلم الثاني أن يضم إلى إمبراطوريته تلك الشعوب التي أعطى أسلافها إلى العالم، اختراع الحرف والفلسفة والعلوم. وبما أن القطار كان وسيلة النقل الأولى أواخر القرن التاسع عشر، فقد حلم بإمبراطورية تجمع الخطوط الحديدية بين مدنها وأطرافها. إمبراطورية تفوق جميع الإمبراطوريات. ومن خلال الفولاذ الألماني لا على ظهور الأفيال، سوف يكون هو إسكندر العصر الحديث، يقلب الحكم البريطاني في الهند، ويركب القطار السريع من دلهي إلى إسطنبول إلى بلاد النهرين وفارس، حاملا إلى الشرق علوم ألمانيا والغرب، عائدا إلى الغرب بالحرير والبهارات والمعادن. لم يكن يحلم بأقل من جوهرتي التاج البريطاني: الهند ومصر.

كيف يحقق هذا الحلم؟ سوف يحالف المسلمين ويناصر الإسلام في بلدان يشعر ملايينها بالتذمر من الروس والبريطانيين والفرنسيين. لكن وهن الإمبراطورية العثمانية لم يساعده على تحقيق حلمه الواسع. وكان قطار برلين - بغداد السريع أسوأ حظا. وظلت محطة حيدر باشا، التي بنيت عام 1906، الشاهد الوحيد على حلم مترامي الأطراف.