لبنان أرسلها إلى قبرص!

TT

في لبنان كل من هب ودب، من قيادات إلى فنانات وشخصيات اجتماعية، عبروا بحماس عن رغبتهم في ركوب سفن لكسر حصار غزة المضروب إسرائيليا، على خطى المبادرة التركية الشجاعة. لكن على الرغم من توفر التذاكر، يبدو أن وقت الشجاعة قد نفد. فأكثر الجهات حماسا، المقاومة اللبنانية، تهربت من المسؤولية ورمت قرار الإبحار على الحكومة! لاحظوا أنها المرة الأولى التي يعترف فيها حزب الله بالحكومة في اتخاذ قرار مواجهة مع إسرائيل، بعد أن كان هو من يقرر لوحده إطلاق الصواريخ وخطف جنود العدو باسم المقاومة.

والحكومة، التي تحتج عادة على الحق الحصري لحزب الله في قرارات المواجهة، وجدت نفسها متورطة، فهي لا تريد منع السفينة حتى لا تتهم بالتخاذل، ولا تريد إرسالها أيضا، لأنها تخشى أن يرد الإسرائيليون بهجوم عسكري على البلاد. إسرائيل حذرت صراحة بأنها سكتت على تركيا لأنها دولة صديقة، لاحظوا كلمة سكتت، لكنها، أي إسرائيل، ستعتبر إرسال أي سفن إلى مياهها (تعتبر مياه غزة أيضا مياهها) ستواجهه برد عسكري. لذا قررت الحكومة اللبنانية بدورها نقل المسؤولية إلى حكومة قبرص. نعم قبرص، لا يوجد خطأ هنا!

دققوا عند صياغة كلام الوزير غازي العريضي، فأعذب الكلام أكذبه. قال إنهم سمحوا للسفينة، الحقيقة أنهم منعوا، فإبحار السفينة إلى قبرص لا يحتاج إلى موافقة، لكن الحكومة لا تريد أن تعلن أنها منعت السفينة من السفر إلى غزة، فقالت سمحت لها بالسفر إلى قبرص! وهناك سيمنع القبارصة السفينة اللبنانية من السفر إلى غزة.

وعلى الرغم من أحاديث البطولة، والكلام الكبير، لا أحد يريد المواجهة، بل كل يرميها على كاهل غيره. هؤلاء الشجعان كانوا ينتقدون حكومة أبو مازن، ويهاجمون مصر لأنها ترفض تحدي إسرائيل وفك الحصار عن غزة، وهم اليوم يخافون من إرسال سفينة إنسانية واحدة محملة بالخبز والأرز!

إيران أكثر شجاعة.. فقد قررت تحميل المسؤولية على أكتاف المصريين لا القبارصة. أعلنت في مؤتمر صحافي عن إرسال سفينة محملة بألعاب وملابس وأغذية للأطفال طالبة من مصر السماح لها بعبور قناة السويس، وهنا لو وافقت مصر صارت تتحمل المسؤولية مثل قبرص والأرجح أن تمنعها. كان بإمكان إيران الزعم بأنها ستبحر إلى قبرص أيضا، ثم تغير وجهتها في عرض البحر المتوسط إلى غزة، إنما إيران لا تريد الصدام مع إسرائيل. وحتى لا يكون هناك سوء فهم إسرائيلي، أعلن الإيرانيون عن طبيعة البضائع التي تحملها السفينة، وأن على متنها من الإيرانيين فقط خمسة من الهلال الأحمر، وخمسة صحافيين، ومنعت الناشطين السياسيين من الإبحار.

نعرف أن تركيا دفعت الثمن بدم عشرة من أبنائها، العاشر توفي قبل أيام في المستشفى، ونعرف عن البطولات الكلامية اللبنانية والإيرانية، لكن ماذا عن حماس في غزة؟

الوضع سيتحسن قليلا إن نفذ الإسرائيليون وعدهم بتخفيف الحصار، وسمحوا بالمزيد من البضائع. إنما حماس قد تواجه أزمة مع مواطنيها، لأنها هددت بأنها سترفض أي حل تفتيشي، ولو كان دوليا، وإن مات الناس من الجوع. تصر على أنها هي الجهة الوحيدة المسؤولة عن التفتيش، ولن تقبل إلا بالسماح الكامل لكل البضائع، ردا على النجاح التركي الذي أجبر إسرائيل على تقليص قائمة الممنوعات من أربعة آلاف سلعة إلى مائة فقط. السؤال: هل تستطيع حماس رد البضائع إن سمحت لها إسرائيل؟ أستبعد ذلك تماما وإلا سينقض أهالي غزة على قيادة حماس هذه المرة.

في حمى المنافسة الدعائية، إن كانت هناك بطولة فهي لتركيا، لا لحزب الله، ولا لإيران، ولا حتى لحماس.

[email protected]