سفن حرية أم أمور أخرى؟

TT

اعتقدت بداية أن طرق الترويج والجذب للمشاركة في سفن الحرية المتجددة لدعم فلسطينيي غزة هي مبررة، كون القضية، أي كسر الحصار الإسرائيلي، هي قضية نبيلة تستحق أن نكون خلاقين في حشد الرأي العام لها. لكن لم أستطع أن لا أقع في فخ المقارنة بين الإعلانات الجذابة التي تطلقها شركات السفر مع بداية كل موسم صيف، وحملات الدعاية التي يطلقها منظمو الرحلات الجديدة. إذ كما تعتمد الشركات السياحية على الكثير من التشويق والإثارة لجذب المسافرين، تعتمد «استراتيجيات» أحدث سفن الحرية «مريم» و«ناجي العلي» على المبدأ نفسه.

الترويج هنا يعتمد بشكل مباشر على الإعلام وعلى الشخصيات المشاركة في الحملات تلك وقدراتها الخطابية على استدراج شخصيات معروفة سواء اجتماعيا أو فنيا أو إعلاميا. أما عنصر الإثارة الأهم فهو الزعم أن أسماء بعض المشاركين، سواء كانوا إعلاميين أو آخرين، هي أسرار، أو عدم التصريح عن موعد الرحلة تماما وإبقاء نقطة الانطلاق غير معروفة وذلك «كي نضلل الإسرائيليين»...

يصعب الاكتفاء برفع لواء هدف نبيل لدحض التساؤلات والتشكيك بتلك السفن، سواء من حيث هويات المنظمين والداعمين والمنخرطين فيها، وإن كان من بينهم (وهو أمر أكيد) أفراد صادقون حتما في رغبتهم في العمل على كسر الطوق الإسرائيلي على قطاع غزة.

لكن مع ارتفاع وتيرة الانقسام العربي والدولي حيال القضية الفلسطينية وتضاعف منسوب توظيف هذه القضية، يصعب التغاضي عن طموحات جهات محلية وإقليمية أعربت صراحة عن موقفها وعن طموحات استعراضية لم يَسَع منخرطون في تنظيم رحلات «مريم» و«ناجي العلي» نأي أنفسهم عنها.

منظمة «صحافيون بلا قيود» التي نشطت لتسيير سفينة «ناجي العلي» تمكنت من دفع مائة ألف دولار غرامة مستحقة للدولة اللبنانية لرفع الحجز القضائي عنها وتسييرها علما بأن السفينة لا تتسع لأكثر من 16 شخصا..

المنظمة التي تملك هذا المبلغ حريّ بها أن تكشف لجمهور الصحافيين الذين تتحدث باسمهم من أين أتت به. فالشفافية في العمل في منظمات المجتمع المدني تقتضي كشف مصادر الأموال التي تستعملها، خصوصا أننا أمام منظمة ناشئة قد تثير حيازة المبلغ تساؤلات قد تسيء ربما لحماسة واندفاع وصدق كثر من المشاركين فيها.

كان من المفترض أن تكون ردة فعلي التلقائية لفكرة الإعداد لسفينتين؛ واحدة إعلامية وأخرى نسوية، للمساهمة في كسر الحصار عن غزة، هي الدعم والاندفاع، كون القضية هدف التحرك هي قضية لا لبس في عدالتها، وكون الجهات الناشطة هذه المرة (صحافيون ونساء) تحاكي حساسيات أساسية لديّ.

لكن، كلما شاهدت بعضا من منظمي الرحلتين على الشاشات وسمعت تصاريحهم وقرأت مواقفهم، تيقنت بأن ثمة صحافيين سابقين سقطوا في فخ نصبه لهم آخرون لم يسبق أن شهدنا مآثر لهم في دعم الحق الفلسطيني، لكن لديهم مآثر عديدة أخرى لا أرغب حتما في أن أسهم فيها.

diana@ asharqalawsat.com