لا تخطأ في العمل فتندم!

TT

لم يكن ذلك الموظف المسكين في شركة أبل يعلم بأن قضائه لسويعات معدودة في إحدى الحانات الأمريكية سوف يقلب عليه الدنيا رأسا على عقب، بعد أن نسي خلفه هاتف أبل iPhone المرتقب من الجيل الرابع وكانت الشركة تحيط منتجها بالسرية التامة كعادتها. وما أن لمح أحد مرتادي الحانة الهاتف المنسي حتى انطلق به فورا إلى المسؤولين في موقع شهير مختص في نشر آخر أخبار التكنولوجيا الحديثة لينشر على صفحاته صور وأسرار الهاتف الجديد قبل اعتماده رسميا من قبل الشركة.

الموظف الذي ارتكب هذا الخطأ أو من سرب الهاتف من مقر الشركة، لا شك بأنه سوف ينال جزاءه لتقصيره في عمله من جهة، ولتسببه في تسريب معلومات مهمة عن الهاتف للمنافسين قبل طرحه في الأسواق، ولكن وللأسف الشديد فإن النية لا تشفع لك حينما تكون تداعيات خطئك كبيرة في العمل.

وأذكر أن أحد الأصدقاء أطلعني على رسالة بريد إلكتروني جاءته بالخطأ من زميل له في إحدى الشركات الكبرى بالخليج، وفيها كشف برواتب جميع الموظفين، من رئيسها التنفيذي حتى فرّاشها. لم أصدق ما رأيت فأردف يقول إن هذا البريد أرسله الموظف المسكين بالخطأ إلى «كل» الموظفين في الشركة، غير أنه كان، على ما يبدو، يقصد إرسال كشف الرواتب إلى مسؤوله المباشر للإطلاع عليه. وهنا يقع على الموظف خطأ التقصير في بذل الجهد الكافي للتأكد من اسم المرسل إليه خصوصا وأنه يتعامل مع بيانات سرية للغاية، وقد يؤدي نشرها إلى حدوث مشكلات داخلية بين المديرين وموظفيهم. وكان جديرا بالمسؤولين أن يضعوا نظاما آمنا أو أن يسلم الكشف باليد لتفادي هذه الأخطاء.

وكلنا يتذكر دموع رئيس شركة تويوتا الذي بكى بحرقة أمام شاشات التلفزة لأنه نادم على خطأ ارتكبته شركته عند التصنيع، مما أدى إلى سحب أكثر من 8 مليون سيارة حول العالم، الأمر الذي هدد الشركة بتسجيل خسائر مالية فادحة لأول مرة في تاريخها منذ سبعين عاما.

أخطاء الناس في العمل لا تعد ولا تحصى، وإذا ما أخطأ الموظف فلابد أن يتوقع أن يدفع ثمن خطئه غاليا أحيانا (بحسب قوة هذا الخطأ) فما نراه أمرا بسيطا قد يراه كبار المسؤولين خطأ جسيما نستحق عليه أشد العقاب أو ربما الفصل من العمل أو نقلنا إجباريا إلى إدارات منبوذة أو نائية (كما يفعل بعض المسؤولين بالإدارات الحكومية). وكم من وزير ومدير عام وربما رئيس دولة (غربية) قدم استقالته أو أجبر على ذلك لأنه ارتكب خطأ جسيما لابد أن يدفع ثمنه.

ويمكن للشركات أن تقلل نسبة أخطائها إذا ما أوجدت بيئة صحية تمارس فيها أعلى معايير الجودة الإتقان، كأن تسن سلسلة من الإجراءات الرقابية أو أن تجعل باقي الزملاء يدققون في العمل قبل خروجه إلى العلن، حتى يصبح عملا متقنا قليل الخطأ. وأتذكر قصة جميلة للحديث الشريف عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في جنازة حتى انتهى إلى قبرها، فجعل يقول: "سووا في لحد هذا». حتى ظن الناس أنه سُنّة فالتفت إليهم فقال: «أما إن هذا لا ينفع الميت ولا يضره، ولكن إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه».