المقبلون والمدبرون من رجال الأعمال

TT

بعد سماعي خبر فوز أحد كراسي البحث التي أنشأها المهندس عبد الله بقشان في جامعة الملك سعود بجائزة دولية تعجلت محادثته لأكثر من سبب؛ أولها المباركة وتقديم التهنئة، وثانيها الأسئلة الكثيرة التي تجول في رأسي على غير هدى. وبكرمه المعهود استقبل المهندس بقشان سيل الأسئلة التي بدت وكأنها لن تنتهي.

بدأت بالتذكير بالذكرى العاشرة لتوقيع معاهدة الحدود السعودية اليمنية التي صادفت ذلك اليوم الذي تحدثت معه فيه، وكيف كان أثر هذا الحدث على شخصية سعودية اقتصادية مرموقة أصلها في حضرموت وجذعها في الحجاز. فقال بتجرد إنه قرر أن لا تطأ قدمه اليمن إلا بعد توقيع المعاهدة حتى وإن تأخرت، وإنه قرار لم يكن ليتراجع عنه لأي سبب. المهندس المدني خريج جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لم يدخل أرض أجداده إلا في عام 2002م، بعد أن رست المعاهدة ودخلت حيز التنفيذ.

ثم بادرت بسؤال عن تنظيم القاعدة في اليمن وكيف يتقون انزلاق شباب حضرموت في هاوية التنظيمات المتطرفة خاصة أن اليمن بدت أنها الاختيار الأفضل للتنظيم لأسباب كثيرة أهمها طبيعة الأرض التي تشبه تضاريس أفغانستان الجبلية التي تؤوي المندسين تحت جنح الظلام وتستعصي على طالبيهم في رائعة النهار، إضافة إلى وجود أبناء الحرس الثوري؛ الحوثيين وعناصر تنظيم القاعدة، وأيضا الاضطرابات الداخلية خاصة في الجنوب والتي تعتبر في أي بلد بوابة لعبور الدخلاء. قال إن «هذا الموضوع أحد أهم الأمور التي أشعر أنا وأقربائي وأصدقائي إزاءها بالقلق، وقد وقعت بعض الحالات التي تألمنا لها، ولكنها حالات قليلة مما حدا بنا إلى إنشاء مؤسسة تحتضن الشباب بالتوجيه والنصح والاحتواء النفسي والاجتماعي، كما أننا نشغلهم بالعمل وخاصة التجارة، فالعمل يقوّم الرجال ويربي فيهم المسؤولية الشخصية، أما عن الحراك الجنوبي فنحن ننأى بأنفسنا عن العمل السياسي، نحن رجال التنمية».

وعلى غرار ما قام به الدكتور محمد يونس، أبو الفقراء، الحاصل على نوبل للسلام، الاقتصادي البنغلاديشي اللامع مؤسس بنك «جرامين» الذي يقدم قروضا لتمويل المشاريع الصغيرة، أنشأ المهندس بقشان منذ سنتين مع مجموعة من رجال الأعمال بنك «الأمل» في اليمن، ولاحظ أن معظم المقترضين من النساء، وأن نسبة استرداد القروض بلغت 100%، ويدرس مع رفاقه النبلاء نقل فكرة البنك إلى بلده السعودية.

رجل أعمال، ترجم قلقه على الشباب بإنشاء مؤسسة مناصحة وتوجيه، وفتح شركاته لتشغيلهم، وأقرض نساءهم وأولادهم، وقدم منحا دراسية لابتعاث الطلاب المتفوقين إلى آسيا وآوربا..! هل هذه جهود رجال الأعمال في صورتهم التقليدية التي نعرفها؟

أخذني خيالي إلى تطبيق صورة المهندس عبد الله بقشان على مهنة رجل الأعمال التي أتمناها، فوجدت رجال الأعمال في الولايات المتحدة الأميركية أهم داعم لمراكز أبحاث السرطان ومرض نقص المناعة، والسكري، وعلى هباتهم تتطور المرافق الجامعية وتنشأ دور الإيواء الاجتماعية، رجل الأعمال في الغرب هو أحد أهم ركائز التوازن الاجتماعي وداعم رئيسي للتنمية وليس مجرد دور علوي في مبنى المجتمع. رجل الأعمال الواعي المحب لوطنه لا يمنح أكياس الأرز والقمح والتمر للفقراء، ولا حتى يعطيهم المال الذي قد يسد حاجتهم ليلة أو ليلتين، بل يمنحهم أسباب الرزق ويترك لهم الكد والعمل على تحصيل قوتهم.

سألت المهندس بقشان أخيرا كيف يشعر حينما يسمع خبر حصول أحد كراسي البحث التي يدعمها في جامعة الملك سعود التي تناولت موضوعات التربة وبناء العظام وأبحاث النحل، على جائزة دولية أو براءة اختراع، فقال إن هذه الكراسي البحثية مثل أولادي، أفرح لنجاحها كتخرج أحد أبنائي، وكلما مررت في طريقي على جامعة الملك سعود أشعر بأني أنتمي لهذا المكان الذي تعرفت عليه خلال الثلاث سنوات الماضية بثلاثة كراسي بحثية، وتشرفت بالمشاركة في تطويرها عن قناعة كاملة وإيمان بأهمية الدور الذي أقوم به والأثر الذي ستحدثه مساهماتي.

قلت له بعد شكره إن جامعة الملك فهد للبترول والمعادن قدمت لك شهادة تخرج، في الهندسة، وجامعة الملك سعود منحتك شهادة تدخّل، في تطويرها! أنت لم تعط جامعة الملك سعود بل أعطيت وطنك السعودية من خلال الجامعة، أنت شريك استراتيجي باق، ما بقيت هذه الجامعة.

* جامعة الملك سعود

[email protected]