السعوديون وقمة العشرين

TT

في تورنتو، كندا، اجتمعت كل المتناقضات، حيث هدوء المدينة الجميلة، وتسامح أهلها، وحشود المتظاهرين الذين يجوبون الشوارع قرابة مقر قمة العشرين، بحضور تسعة عشر زعيما يمثلون دولهم، التي تمثل قرابة 85% من الاقتصاد العالمي، مضافا إليهم الاتحاد الأوروبي. قمة تتداخل فيها السياسة والاقتصاد، وقمة ترسخ دور وأهمية الدول الناشئة التي باتت جزءا من الحل في أزمة مالية عاصفة عانى منها العالم بأسره.

وبالطبع تنطوي أجندة قمة العشرين على عدة قضايا، فمن الاهتمام بفقراء العالم، مرورا بالأزمات السياسية، ومنها الملف الإيراني، وانتهاء بتكسير رأس المصارف والبنوك الدولية بضرورة فرض ضريبة مصرفية عليهم، وإلى أهمية استمرار الإنفاق الحكومي الداخلي، والتحذير من الترشيد المبالغ فيه على الاقتصادات المحلية.

وبالطبع فإن ما يهم العرب هو أنهم ممثلون بالمملكة العربية السعودية، وبرئاسة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز، الذي يحسب له أنه نحى بمركب بلاده إلى مرفأ الأمان في ظل أزمة مالية عاصفة. ففي الوقت الذي يطالب به الأميركيون قادة قمة العشرين بضرورة عدم التوقف عن الإنفاق المحلي لدعم الاقتصادات، محذرين من خطورة ذلك على النمو الاقتصادي، فقد كان الملك عبد الله سباقا للإعلان في قمة العشرين في لندن العام الماضي عن أن بلاده مستمرة في الإنفاق الداخلي لضمان تنمية مستدامة، وأن بلاده لن توقف الإنفاق، ولن تؤجل مشاريعها الداخلية، مما عزز الثقة باقتصاد بلاده، وحافظ على استمرار عجلة الاقتصاد المحلي السعودي.

ولذلك بالطبع فإن السعودية اليوم غير معنية بتطبيق الضريبة المصرفية، حيث إنها لم تقدم مساعدات للبنوك على غرار ما حدث في أميركا أو أوروبا، وبالتالي فلا داعي لتحصيل ضريبة على المساعدة، بل إن كل ما فعلته السعودية بقيادة خادم الحرمين هو أن «زيتت» اقتصادها بالصرف المحسوب، مما جعل العجلة الاقتصادية تواصل السير دون التعرض لصعوبات حقيقية.

وبما أن واشنطن قد استعادت الثقة بنفسها، حيث عاد البعض من الكتاب الأميركيين، المتشائمين سابقا، للقول الآن بأن واشنطن عادت لتكون النموذج الناجح في قيادة الاقتصاد العالمي، خصوصا أن أميركا قد قادت عملية الدعم للمؤسسات المالية المتعثرة داخلها، كما شرعت في إعادة إصلاح نظامها المالي، فيجب أن نقول هنا إنه يحسب للسعودية أيضا نجاحها في تجنب الأزمة المالية العالمية، حيث لم تتصرف بهلع أثناء تلك الأزمة، بل واصلت الإنفاق الداخلي، كما أسلفنا، وموّلت مشاريعها المحلية، وواصلت بناء إنسانها، بالإنفاق على مرافق حيوية للبلاد من التعليم والقضاء، وكذلك مشاريع البنية التحتية، والمشاريع الاقتصادية الضخمة. وبالتالي حافظت على استقرار اقتصادها، بعقلانية توازي عقلانية الرياض السياسية، التي خولتها أيضا لأن تكون من ضمن العشرين الكبار.

فالسعودية من الدول التي تعمل بصمت، وبعيدا عن الضجيج الغوغائي، أو العاطفي، سواء سياسيا، أو اقتصاديا، وذلك لسبب بسيط، وهو أن الإنجازات لا تحتاج إلى الضجيج بقدر ما تحتاج إلى عمل مثابر، وتعقّل، يضمن نتائج مستقبلية، على المدى القريب والبعيد كذلك.

[email protected]