أميركا والثورة الخضراء

TT

هناك بعض المقالات لا تنسى. لا أقصد بذلك أنها من ذلك النوع الذي يحمل قالبا أو قيمة خاصة، بل تلك التي أستشعر وأنا أقرؤها أن مقالا آخر ضمنيا بين سطورها.

أي المقال الحقيقي كتب بين السطور، ليغلف الرسالة الحقيقية.

وقد وصف الفردوسي، أشهر شاعر إيراني، في ملحمته «الشاهنامه» تكتيكات الحرب بين الأبطال بهذه الصورة، عندما بدأ في ترديد شعاراته المعادية لليمين، لكنه شيئا فشيئا أخذ يتجه بها نحو اليسار.

ومؤخرا قرأت مقالا من تلك النوعية كتبه رويل مارك غريتشيت ونشر في صحيفة «هيرالد تريبيون»، يوم الأربعاء السادس عشر من يونيو (حزيران)، الذي يعتقد قارئه للوهلة الأولى أن غريتشيت أراد منه دعم الحركة الخضراء، لكن ما تلبث بذور الشك أن تبدأ في النمو شيئا فشيئا حتى تملأ سحابة سوداء محيط عقلك. وتتساءل عما إذا كان المقال قد كتب بالفعل ضد الحركة الخضراء، أم لدعمها. عنون غريتشيت المقال بـ«الثورة الإيرانية: العام الثاني»، وركز فيه على تغيير النظام في إيران، وهذا ليس بالموقف الجديد بالنسبة إليه. فقد نشر من قبل مقالا له على موقع «ويكلي ستاندرد»، في الرابع والعشرين من أبريل (نيسان) 2006 يدعم فيه العمل العسكري ضد إيران كان عنوانه «توجيه ضربة جوية أم لا.. تلك هي المسألة الإيرانية»، تحدث فيه عن وجهة نظره بصراحة تامة، وبرر وجهة نظره بضرورة قصف إيران. أو بعبارة أخرى رد على المشككين في الهجوم على إيران.

قال فيه: «والأسباب الداعية إلى عدم شن ضربة جوية ضد إيران كثيرة، والبعض منها ملح. المنتقدون بعدم القصف يعتقدون أن مثل هذا الفعل غير عملي (هناك الكثير من المواقع المتاحة للهجوم ومن ثم لن تكون هناك ضمانات للنجاح من دون غزو أرضي)، كما سيثير ذلك الكثير من العنف (الشعب الإيراني سينهض في غضبة شعبية، وسيكون الأوروبيون وبقية المجتمع الدولي غاضبين جدا)، وسيكون خطيرا جدا (ستطلق إيران جيشا صغيرا من العملاء السريين لكي يضر بمصالحنا في أفغانستان والعراق وينهي المشروع الأميركي في العراق ويكلفنا ثمنا غاليا في كل مكان آخر)، وغير حكيم سياسيا (سوف نسكت الإيرانيين الراغبين في التغيير في دولتهم، حيث ستتجمع الدولة حول الملالي)، لذا دعونا نبحث أولا عن الوسائل التي لا ينبغي أن تخيفنا».

إلى ذلك، يقول في مكان آخر: إيران دولة تحوي الإرهاب في جيناتها الوراثية، وتقيم علاقات قوية مع «القاعدة». وخلص في حديثه عبر القول إن هناك خيارا وحيدا يتمثل في: اتخاذ إجراء وقائي ضد هذه الدولة.

هناك بذور للشكوك التي بدأت في التنامي في عقلي. كيف يمكن لعميل سابق في وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يملك هذه الآراء المتطرفة عن إيران والإيرانيين أن يدعم الثورة الخضراء؟

ومقاله الجديد كان بالفعل هدية كبرى للمحافظين والمتطرفين والحرس الثوري والتلفزيون الإيراني وصحيفة «كيهان» لشحذ الخنجر ضد الإصلاحيين.

بداية، سل نفسك من هو هذا الخبير الجديد في الشؤون الدينية والإيرانية. وأين كان كل هذا الوقت. إنك تشهد كاتبا يحكم على تاريخ فلسفة إيران والإسلام قائلا: «والفيلسوف الإسلامي عبد الكريم سوروش، ربما يكون أهم مفكر إسلامي بعد الإمام الغزالي الذي عاش في القرن الحادي عشر»، سيبدو أن الكاتب يشيد بسوروش في هذا المقال اللطيف، لكنك عندما تقرأ ما بين السطور ستجد أن هذا المقال أشبه بالسم الممزوج بالعسل ربما لقتل سوروش، عندما قال إن سوروش مناصر لأفكار الفيلسوف النمساوي كارل بوبير.

وفي الماضي، قامت وكالة الاستخبارات بأسوأ الأحداث التي شهدها التاريخ الإيراني المعاصر، ألا وهو انقلاب 19 أغسطس (آب) 1953 عندما أطيح بحكومة رئيس الوزراء محمد مصدق الديمقراطية المنتخبة عبر وكالة الاستخبارات المركزية، الذي شهدت على أثره إيران 25 عاما من الدكتاتورية في ظل حكم الشاه محمد رضا بهلوي الذي اعتمد بقوة على جهاز السافاك الذي تلقى تدريبه على يد الولايات المتحدة. لذا، فمن يتصور أن يقوم شخص يدعم إسرائيل بتغيير فكره وأن يبدأ في دعم الثورة الخضراء في إيران؟

ويبدو لي أن هناك أمرا خطأ، أو على الأقل مثيرا للجدل. ما أريد قوله هو أن وكالة الاستخبارات المركزية والمحافظين الجدد واللوبي الإسرائيلي يدعمون أحمدي نجاد والوضع القائم في إيران. ودعم الحركة الخضراء هو سبيل آخر لدعم أحمدي نجاد! فمن يستطيع أن ينسى المقابلة الشهيرة لرئيس الموساد السابق - هولفي - مع قناة «الحرة» (التي تمول من قبل الولايات المتحدة) التي قال فيها إن أحمدي نجاد أعظم هدية للشعب الإسرائيلي؟

الأمر أشبه بلعبة الكرة الطائرة، لعب فيها غريتشيت دور المعد للكرة، وشريعتمداري - ممثل المرشد الأعلى ورئيس تحرير صحيفة «كيهان» - كضارب في الجهة اليمنى. وكنصلي المقص يعمل الاثنان على مساعدة بعضهما بعضا، وكلاهما يحاول أن يظهر أن الحركة الخضراء لها لون أميركي، أو أن وجودها هو لتعزيز المصالح الأميركية. ومن ثم أشك بشدة أن تكون هذه المقالات قد كتبت لصالح الحركة الخضراء.