عندما يصبح القيادي موظفا صغيرا

TT

في بادرة جميلة من الإدارة العليا بشركة «أرامكس - البحرين» للاهتمام بالموظفين، قام أكثر من 20 قياديا في الشركة بقضاء يوم عمل كامل مع الموظفين لتسليم الطرود البريدية إلى جميع أنحاء مملكة البحرين. وكان هدف القياديين في شركة الشحن البريدي هو «تكوين فكرة دقيقة عن الفرص والتحديات التي تواجه هؤلاء الموظفين» في عملهم الميداني.

إن تشمير القياديين عن سواعدهم والنزول إلى معترك العمل اليومي في المستويات الوظيفية الدنيا ليلمسوا بأنفسهم معاناة الموظفين هو ما ينقص الكثير من مؤسساتنا الحكومية والخاصة. وكم تردني من شكاوى متنوعة، عبر بريدي الإلكتروني، من موظفين يشتكون تسلط مديرهم العام وعدم مراعاته لجهودهم، حيث يعاملهم معاملة مجحفة! ولما أوجه إليهم سؤالي التقليدي الأول: ما علاقته بملاك الشركة وما تدرجه الوظيفي؟ أكتشف في كثير من الأحيان أنه حديث عهد في عمله، وأنه تم تعينه لأنه ابن المالك أو قريبه أو حبيبه!

والشركات العائلية العربية مدعوة إلى أن ينزل قياديوها، من الجيل الثاني وما يليه، إلى ميدان العمل، ليلمسوا بأنفسهم ما يجري في مؤسساتهم. وبحسب المسح الذي أجراه «معهد حوكمة الشركات» التابع لـ«مركز دبي المالي العالمي» و«معهد التمويل الدولي»، فإن الشركات العائلية تشكل نسبة 85% من الشركات في دول الخليج. لذا، فجدير بهم أن يهتموا بموظفيهم، فهم العجلات التي تسير بها مؤسساتهم. ونوجه ملاحظاتنا إلى الجيل الثاني لأنه ثبت أن الشركات العائلية في منطقتنا تموت بعد هذا الجيل، وفق الدراسة المذكورة.

وقد أخبرني رئيس مجلس إدارة «شركة السينما الكويتية» عبد الوهاب المرزوق أنه لما استحوذت مجموعته على شركة السينما، قرر أن يبيع التذاكر للزبائن بنفسه من الشباك لأيام، فضلا عن أيام أخرى خصصها لبيع الفشار والمرطبات الباردة، وذلك حتى يتعرف عن كثب على نوعيات الزبائن ومشكلاتهم وكيفية تعامل الموظفين معهم. ولسبب آخر، وهو أن هذا الشباك هو ينبوع الإيرادات بالنسبة للشركة. والغريب أن شركة السينما ليس لديها منافس إطلاقا، فهي محتكرة بموجب القانون القديم - منذ خمسين عاما - لكن المرزوق يفكر بعقلية القائد الحريص على موظفيه وعلى مال المساهمين. فمن دون معرفة طبيعة عمل هذه الفئة قد يصدر قرار إداريا جائرا في حقهم لجهله بما يجري في السوق.

لا بد من أن ينزع القيادي شماغه وعقاله أو رابطة عنقه ويشمر عن ساعديه، ولو لبضعة أيام في السنة، لينزل إلى المستويات الدنيا في مؤسسته، ويرى بعينيه ما يجري فيها من جهة، وليشحذ همم الموظفين من جهة أخرى. ولك أن تتخيل شعور سائق شاحنة أو حافلة وهو يرى المدير العام يجلس إلى جانبه ويساعده في تأدية مهامه الوظيفية بكل جدية وحماسة. ويمكن للقياديين على سبيل المثال أن يعملوا مؤقتا، كموظفي مبيعات، أو استقبال أو سكرتارية وغيرها للأسباب آنفة الذكر. ويروى أن أمير الكويت الراحل الشيخ جابر الأحمد الصباح، قد رأى مجموعة من الشبان والشابات وهم منهمكون في ترميم إحدى بوابات سور مدينة الكويت القديم (شيد قبل أكثر من 150 سنة)، فأمر موكبه بالتوقف عندهم فنزل وشرع يساعدهم في خلط الطين المبلل بيديه ثم صار يناول الشباب، فالتقط أحد المصورين له هذه الصورة الشهيرة.

وجود القياديين إلى جانب الموظفين، بمن فيهم أدناهم في السلم الوظيفي، يعد أمرا مهما في القطاع العام والخاص، حتى لا تنطبق على هذه المؤسسة ما قاله لي صديق، وهو أنه حينما يرى المدير العام يدخل إلى إحدى الإدارات يدرك أن مشكلة ما قد وقعت فيها! [email protected]