بوادر سلام أم نذر حرب؟

TT

لا أدري إن كانت مجرد خواطر موسمية، مثل سحابة صيف أخرى عابرة، أم أنها محاولة مني للقراءة الموضوعية في منطقة لا تخضع للمقاييس العالمية، وتحديدا مسطرة المنطق. نلمس من رام الله وتل أبيب وواشنطن إشارات، وتصريحات، ووعودا، وإعلان محاولة جديدة، أو هكذا تبدو.

هنا ومضت خاطرة، ماذا لو أن الإدارة الأميركية الحالية قررت لأول مرة أن تقايض مواجهتها المشروع النووي الإيراني مقابل تعهد إسرائيلي بالقبول بحل مشروع الدولتين، أي إقامة الدولة الفلسطينية؟

في الفقه الإسلامي لا يجوز بيع المجهول، لكن في السياسية كل شيء جائز رغم كثرة المخاطر. فمن يضمن أن يسلم نتنياهو مفاتيح الضفة وغزة والقدس الشرقية بعد أن يتورط الأميركيون في معركة مع الإيرانيين؟ نتنياهو الذي بات عاريا للجميع وهو لا يدري. تماما الصفقة مثل البيع الفاسد في التفسير الفقهي، تسويق بضاعة مجهولة، مثل الاشتباك مع الإيرانيين، لقاء ثمن إقامة الدولة.

رغم غرابة العلاقة لا أستبعد المقايضة لأسباب لا ترتبط بالمقايضة ذاتها، بل بطبيعة الأوضاع الحالية التي تسير في اتجاهات تصاعدية تصادمية. أعني أن الموضوع الإيراني يتحول بالفعل إلى أزمة مهما حاولنا التهوين منه، صارت له قرارات دولية، وعقوبات، وسيبدأ التفتيش، وطهران في المقابل تزداد عنادا وتهديدا. إسرائيل، أيضا، تبدو عصبية وفي حالة هيجان لم يعد بمقدور أقرب الناس إليها الجلوس والحديث معها. والشأن الفلسطيني، مثل الإيراني، تطور تصاعديا بوعد بدولة تطالب به كل دول العالم، ومشروع قرار أوروبي لإعلانها. وزادت الجبهات على إسرائيل، أحدثها المياه الدولية والأجواء التركية.

وسواء صمم الرئيس الأميركي باراك أوباما صفقة الأزمتين أم لا، فإن الأمور تسير أوتوماتيكيا نحو مواجهة ما مع الإيرانيين وأخرى مع الإسرائيليين. ولو راجعنا أبرز المحطات التاريخية الحديثة لوجدناها ولدت في ظروف كهذه.

فـ«كامب ديفيد» صارت مشروع سلام بعد حرب 73، و«أوسلو» ولدت بعد حرب تحرير الكويت، ولولاها لتقاعدت القيادات الفلسطينية في تونس واليمن والسودان حيث نفتهم إسرائيل، وتحولت حكومات هذه الدول إلى شرطة تمنعهم إلا من الطعام والنوم فقط. كما أن التعهد الأميركي بدولة فلسطينية مستقلة أعلن بعد حرب الإرهاب. الفصل الآخر، ومن يدري؟ قد يكون الفصل الأخير، إقامة الدولة الفلسطينية وإعادة الجولان، مع سلام ما، يتطلب أزمة كبيرة، وربما حربا ضخمة.

وهنا سيتساءل الأخلاقيون: هل لنا مصلحة في تخريب بعض المنطقة لإصلاح بعض آخر؟ عندما احتل صدام الكويت قبل عشرين عاما كان بعض العرب يقولها صراحة، إذا كان احتلال الكويت يؤدي إلى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي فليكن. اليوم سنجد من يقول الشيء نفسه، إذا كانت المواجهة مع إيران ستضطر الأميركيين إلى بيع العرب دولة فلسطينية فليكن.

لا أريد أن أقود أحدا في درب من الأوهام، لكننا أمام اشتباكات ستفرض نفسها رغم أنف الجميع، وعلى كل طرف أن يقرأ حظه. وسواء رضي نتنياهو أم زاد عنادا فإن الدولة الفلسطينية لم يعد بمقدوره منعها، السؤال فقط: كيف ستولد؟ سلما أم حربا؟ كل ما يستطيعه هو أن يؤخرها فقط. وكذلك فإن عناد الإيرانيين سيؤخر الحل لكنه سيجرهم إلى نفس المنحدر الذي قاد نفسه إليه الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.

[email protected]