الملاعب المكيفة لا تكفي

TT

بحسب الاتحاد الدولي لكرة القدم (الفيفا)، فإن جميع المنتخبات التي وصلت إلى دور الثمانية بكأس العالم في جنوب أفريقيا ملتزمة بإعلان محاربتها للعنصرية والتمييز بأشكاله كافة.

أكثر من ذلك، من الدوافع الرئيسية التي رجحت كفة جنوب أفريقيا على غيرها لتنظيم كأس العالم هذا العام هو مباركة أبرز عملية تحول سلمي من التمييز العنصري إلى مجتمع تعددي لمختلف الأعراق والألوان. صحيح أن هذا التحول تعتريه شوائب كثيرة لكنه أنجز ما اعتُقد يوما أنه مستحيل.

رفض العنصرية ومحاربة التمييز كانا الشعارين الطاغيين في مونديال جنوب أفريقيا والفكرة التي دارت في فلكها إعلانات وأغنيات ومقاطع دعائية بدا في ظاهرها العالم موحدا ببيضه وسمره وسوده. حتى مطلع الإعلان الذي ظهرت فيه عروس وقد وشمت خدها بعلم البرازيل بينما العريس وأقرباؤه يشجعون ألمانيا، انتهى برسالة تسامح تجارية لكنها ذكية حين اختتم الإعلان بمشهد والدة العريس التي ظهر أنها تشجع الفريق البرازيلي أيضا.

هذه الأغاني والإعلانات والحملات والأخبار المصاحبة كلها شاهدناها عبر قناة «الجزيرة الرياضية»، كونها اشترت حصرية التغطية. وأنا لست صاحبة باع في الرياضة، لكن لفتتني الحملات المكثفة للترويج لفكرة التسامح وحب الآخر.

من وقع في فخ الانحيازات العنصرية كثر ومن أنحاء العالم كافة، لكن في ما يعنينا في هذه الزاوية هو جمهورنا وإعلامنا.

فمبادئ التعدد والانفتاح كانت بعيدة تماما عن قسم أساسي من التغطية الرياضية وتحديدا عن المواقف التي جاد بها معلقون خلال تغطيتهم لعدد كبير من المباريات.

لم تنته العنصرية في أفريقيا والعالم، لكن هناك محاولات جدية للحدّ منها وقوانين رادعة لها وأخلاقيات تقرّع من يسقط في فخها..

ينتظر المرء محاسبة مماثلة في بلادنا أو على الأقل امتناعا عن السقوط في فخ الانحياز المجاني القائم على السياسة أو العرق أو الدين..

ففي منطقة ينحاز قسم واسع من جماهيرها إلى الفريق الألماني، لأن الزعيم النازي أدولف هتلر قد قتل اليهود، أو لأن برازيل دا سيلفا هي دولة «ممانعة» بحسب التعميمات الشعبية - ينتظر من الصحافة الرياضية أن لا تقع في الانحياز نفسه، إذ كيف يمكن لمذيع أن ينحاز سياسيا علنا ضد منتخب رياضي (أميركي مثلا)، مسقطا عليه سياسات إدارة جورج بوش ويظهر سخطه علنا إذا حقق الفريق هدفا ما؟؟ بل إن مذيعا آخر، وحين بدا أن الفريق الإيطالي يواجه هزيمة في اللعب، ذكّر اللاعبين بما ناله أسلافهم على يد (موسوليني)، وهو يفترض أن الجمهور المتابع له سيطرب لهذا التشبيه..

السقطات التي وقع فيها مذيعون قاربوا الرياضة والمنافسة من باب السياسة الضيق ومن باب المزاج الشعبي - عديدة..

يبدو أن المعاني التي أرادتها الفيفا لتنظيمها المونديال في جنوب أفريقيا لم تجد طريقها إلى وعي شرائح واسعة من الجمهور الرياضي العربي ولا إلى وعي صحافة رياضية عديمة الحساسية حيال قيم التعددية التي باتت قيما عالمية، وهنا لا يمكننا أن نكتفي بوعود بملاعب مكيفة في عام 2022 لنجتذب العالم ونقنعه بأننا جاهزون لاستقبال منتخباته.

diana@ asharqalawsat.com