التجاذبات الإقليمية في المشهد السياسي العراقي

TT

اتضح التأثير الإقليمي الواسع في الانتخابات العراقية الأخيرة في مارس (آذار) الماضي، واتسعت دائرته وازداد عدد اللاعبين فيه وأصبح هناك تجاذب بأجندات تكاد تكون متنافرة في مصالحها مما ينذر بحالة لبنانية جديدة بدأت تتشكل ملامحها، ولم ينجح لاعب إقليمي منفردا إلى الآن في صياغة معادلة الحكم في العراق، ومع الوجود المكثف لقوات الولايات المتحدة التي تقارب الثمانين ألفا مع سلاحها ووجودها السياسي اللافت في أكبر سفارة لها في بغداد، بواقع أنها الدولة الأقل تأثيرا والأكثر قلقا من تجربة في العراق تعتبرها من أنجح التجارب المتعثرة لديها، سواء في أفغانستان أو لبنان ومن قبلها الصومال، وبالتالي هي حريصة على أن لا تتعرض هذه التجربة لانتكاسة سياسية أو انغلاق لمخارجها بعدما انحسر عنها الخطر الأمني والإرهابي، لذلك فإن التعابير المنتقاة لنائب الرئيس الأميركي خلال زيارته السابعة عشرة للعراق تعكس هذا القلق في البيت الأبيض.

وعلى الرغم من كل محاولات الكتل السياسية العراقية لتشكيل الحكومة العتيدة عبر إنشاء محاور وتحالفات وتأثيرات إقليمية واجتماعات بين الكتل السياسية، عقدت أغلبها في العواصم الإقليمية أكثر مما عقدت في بغداد، ودعوة أطراف دولية للتدخل في سابقة تراجع لافتة بسبب انسداد الأفق والفعل المحلي باندفاعة واضحة لدول المنطقة لإعطائها حصة أكبر في القرار السياسي العراقي، فإنها لم تنتج أيضا فعلا واضحا على الأرض غير مشاريع تعطيل وتأخير، حيث بدأ الوقت ينفد ويقترب من موعد واستحقاق يحتاج إلى إجابات مقنعة وواضحة من قبل الكتل السياسية الفاعلة التي تمسك بزمام الأمر.

ومن الواضح أيضا ومن خلال قراءة فاحصة لأفكار دائرة صنع القرار في الولايات المتحدة، أن مرور ما يقارب أربعة أشهر على الانتخابات لم تستطع القوى السياسية الخروج بمعادلة ناجحة لتقاسم السلطة في العراق تحت مسمى حكومة الشراكة الوطنية، لذلك تتمنى هذه الدوائر أن يتولى الفائزون الكبار، وهما «دولة القانون» و«العراقية»، وضع اللبنة الأساسية لصياغة مفهوم الشراكة، لتخلقا أمرا واقعا يمكن معه أن تعطي زخما وفرصة جديدة لتشكيل حكومة تلبي طموح العدد الأكبر من الناخبين الذين أعطوا أصواتهم لهاتين القائمتين على أن تلتئم معهما الكتلتان الباقيتان، وتبقى هذه الأطروحة، التي روّج لها عدد من المشرعين الأميركان من أعضاء الكونغرس في رسالة مفتوحة إلى رئيس الوزراء الحالي نوري المالكي، تبقى في إطار نظري بحت وطموح يتمناه الكثيرون في العراق، لكن الوضع السياسي في العراق يبقى مأسورا بنظرية التوافق التي هي عنصر فاعل إلى الآن في صنع القرارات الاستراتيجية، وعلى ذلك فإن فكرة الصفقات المنفردة بين «دولة القانون» و«العراقية» تصبح أفكار مكاتب مغلقة لا تنظر إلى الوقائع على الأرض بتوازن وحكمة ولن تكون حاسمة وفاعلة.

وتبقى الأزمة الوزارية قائمة وقد تتنامى في ظل تجاذبات حزبية وكيانية تنظر إلى مصالحها بمعزل عن المصلحة العامة مع وجود لاعبين إقليميين تستهويهم، بل وتستدعيهم هذه التجاذبات التي تمنحهم فرصة أكبر لتفعيل تأثيرها في الوضع العراقي، والشيء المؤكد أن الإحباط الأكبر والخسارة الكبرى ستكون المواطن الذي أدى ما عليه في الانتخابات ويعول على من انتخبه أن يغير واقعا لم يكن سعيدا به، لأنه لم يوفر له كهرباء ولا بطاقة تموينية جيدة وخدمات بائسة لم تتطور بسبب محاصصات سلبية استقدمت عناصر حزبية غير ذات كفاءة، تسلقت لمراكز القرار في وزارات الدولة وأنتجت أداء هزيلا في الواقع الخدمي.

* الناطق الرسمي باسم الحكومة العراقية