عمال النظافة

TT

أقرأ زياد الدريس عادة - ودائما - بحثا عن لمحة أو فلة أو فرح أو ملاحظة جديدة. وعندما أقرأه أضع فرحي أمامي، فلا يمكن أن أخطئ بما أتوقع، ولا يمكن أن يخطئ بما عود. وأحيانا أراه على وشك أن يغضب، لكنه لا يلبث أن يتراجع، أو أن ينسحب، ويعيد الصحو إلى الخيام. هذه المرة كتب وكأن زلزالا سوف يأتي على المضارب بعد قليل. إعصار كاترينا على ولاية لويزيانا، الذي سيلحق به نفط شركة «بي بي»، مبحرا من خليج المكسيك. لقد شاء سوء حظه أن يقع على كتاب يبعث سخفُه على الجنون. فلم تعد المسألة مسألة رأي أو نقد أو حتى رفض طوعي، بل في الكتاب من تحدي الذوق وتجاوز مستويات الرواءة، ما جعل السفير لدى الأونيسكو، يمزق الكتاب ويقوم إلى سلة القمامة ويرمي فيها هذه «الزبالة» التي وقعت بين يديه.

لا أعرف حجم تنكة الزبالة في منزل الكاتب السيال. لكنني أعرف أحجام التنكات في منزلي، وفي غرف الفنادق التي أنزل فيها. وأعرف الكميات التي أودعها فيها على مدار السنة. لكنني أعتبر ذلك ضريبة على ما نشتري من كتب. فلا يمكن أن تكون كلها مشوقة أو مهمة، أو مسلية على الأقل. أو في أسوأ الحالات لا تثير الغضب وتستحق الزبالة. وأتمنى على عزيزي زياد - للتعزية - أن يعود إلى الشعراء الذين فرضوا علينا كبارا، فنقرأ مثلا لمعروف الرصافي:

لدى الفيفي حافظ للمكرمات حافظ

ويكمل:

لسانه وهو طلق للدر في القول لافظ

وطرفه للمعالي مدى الحياة ملاحظ

لــــه شــــــمائل غر بها تزول الحفائظ

وهل تريد شيئا من «الأخطل الصغير»، الذي نصِّب أمير الشعراء خلفا لأحمد شوقي:

وعدتني يوم الخميس فلا خميس ولا الأحد

وهل أتاك شعر محمد الهراوي:

هذا مجال تنازع الأفهام من غير تفرقة وغير خصام

ومرة أخرى أعيدك إلى «أمير الشعراء» الثاني في قصيدته فلسطين:

قل لجون بولٍ إذا عاتبته سوف تدعونا ولكن لا ترانا!

لماذا أيها السيد الأخطل؟ لماذا لن يراك ويرى طربوشك الجميل وشرابته المائلة؟ ولماذا تحمّلنا رسالة إلى جون بول بمثل هذا الرجز المرجوز؟ من حسن حظ عزيزنا زياد، أن له الخيار في الاطلاع على ما يريد. نحن، كان لزاما علينا أن نقرأ الرصافي وبشارة الخوري وأن يستخفنا الطرب، أو الهبل، ونحن نقرأ «شعرا» يقول:

هذا مجال تنازع الأفهام من غير تفرقة وغير خصام!

يخرب ذوقك شو ابن حلال!