حياة الفراعنة.. كانت كلها أعيادا!

TT

في العادة عندما نجد كتابا منشورا عن مصر القديمة فإن موضوعه إما أن يكون عن مقابر الفراعنة وأهراماتهم أو ديانة الفراعنة ومعابدهم.. أما الكتب التي تتناول الحياة اليومية عند الفراعنة فهي قليلة جدا، وأكاد أجزم أن معظم الناس لا يعرفون عن حياة الفراعنة سوى أنهم كانوا يبنون الأهرامات والمقابر لكي يدفنوا فيها.. وهذه الصورة لا تعكس حقيقة الحياة الفرعونية، وكيف استمتع الفراعنة بكل يوم عاشوه على الأرض.

لقد كانت عندهم أعياد كثيرة ومناسبات كثيرة، حتى أن المؤرخ الإغريقي هيرودوت علق على ذلك قائلا: «إن حياة المصريين كلها أعياد واحتفالات.. وإنه ما يكاد عيد ينتهي في مدينة حتى يبدأ عيد آخر في مدينة أخرى..».

وهذه حقيقة نعرفها من الوثائق المكتوبة والمناظر المصورة على الآثار، التي نرى فيها احتفالات في مناسبات مختلفة تُعزف فيها الموسيقى الراقصة ونرى راقصات في أحلى ثيابهن وزينتهن يتمايلن على أنغام الموسيقى.. أما الحاضرون فهم إما يأكلون أو يشربون من أطايب الطعام والشراب والفاكهة، أو يتحادثون أحاديث سجلتها الكتابة المصرية القديمة على هيئة الحوار أو الديالوغ بين الشخصيات المصورة، وهو ما يتميز به الفن المصري القديم الذي لا يكتفي فقط بموضوع المناظر المصورة على الجدران سواء كانت المقبرة أو المعبد، وإنما أضاف الحوار واللغة لتفسير هذه المناظر، ومن ذلك عرفنا مدى رقي المجتمع المصري القديم وما كان يفكر فيه، وكيف استمتع المصريون القدماء بحياتهم؛ ومن هنا أحبوا أن يعيشوا هذه الحياة في العالم الآخر.. لم يرغبوا حياة غير حياتهم الدنيا، التي كانت في وجهة نظرهم هي أجمل ما يمكن أن يصيب الإنسان في الدنيا، أحبوا بلدهم شمسه وهواءه ونيله.. أحبوا ما تجود به أرضهم من خيرات فبنوا وعمروا الدنيا، وتركوا ميراثا ثقافيا وروحيا عظيما. أتمنى أن نحفظه للأجيال القادمة كي ينفعهم في مستقبلهم.

ولعل من أروع مناظر الاحتفالات تلك المصورة على جدران مقبرة «نخت» بمنطقة مقابر الأشراف في طيبة الغربية (الأقصر حاليا)، ويصور المنظر عازفات يعزفن على آلاتهن الموسيقية، أما الحاضرون من رجال ونساء فيقوم على خدمتهم فتيات وغلمان يقدمون لهم الطعام والشراب، بل وتقوم الفتيات بإصلاح زينة بعض المدعوات في أجواء بهجة وفرح.

الفرق بين المصريين القدماء والشعوب الأخرى التي عاصرتهم أن المصريين كانوا أكثر تفاؤلا بالموت.. نعم خافوا منه، لكنهم لم يرهبوه أعدوا له في حياتهم، فكانت فكرة أن الخيرين هم وحدهم الذين ينعمون بحياة ما بعد الموت. أما الأشرار فهم من يذهبون إلى الجحيم.. وعلى ذلك كان على كل متوفى أن يقسم أمام الإله أنه ما فعل شرا قط، وأنه ساند الـ«ماعت» أي (الحق والعدل والنظام).

ولقد وضع المصريون القدماء صورا عن حياتهم اليومية على جدران مقابرهم رغبة منهم في أن يتمتعوا بنفس هذه الأعمال التي قاموا بها في حياتهم، ونفس الأعياد التي احتفلوا بها وهم على الأرض.. كما آمن المصريون القدماء أن أرواح الموتى تعيش بينهم وتؤثر في حياتهم، ومن أجمل ما يمكن أن يقرأه الإنسان من أدب الفراعنة هذه المناجاة التي كتبها رجل لزوجته المتوفاة، يستعطفها فيها حتى لا تسلط روحها عليه، وأن تتذكر دائما كل عمل طيب فعله من أجلها، وأن تسامحه على ما اقترف في حقها من ذنب..

لقد عرف الفراعنة الحياة فكتبوا لأنفسهم الخلود.