جائزة الابتسام

TT

يبدو الرسام مصطفى حسين مثل بطل حمل أثقال، أكثر من كونه فنانا تشكيليا وأشهر رسام كاريكاتوري في صحافة مصر اليوم. وبعد فوزه مؤخرا بجائزة مبارك للفنون، قال لـ«روز اليوسف»: لم تعد وجوه المصريين هادئة ومريحة مثل أيام زمان. الناس تثور لأتفه الأسباب وتكاد تنفجر بعدما كانت هادئة ووديعة ومليئة بالسماح والحكمة.

لا أدري كم أحب وأقدر عبقرية الكاريكاتور. لا حد للبلاغة في هذا الفن. ولا تزال مصر، من بين الدول العربية، أرض الضحكة والرسم الذي يهز وحدتك أحيانا. ثمة هم كثير، بالتأكيد. وبعض الرسم موجه ومنفر ولا علاقة له بالفن، بقدر ما له علاقة بالرجم والحجارة والاستهضام. ومع هذا، لا تزال مصر الأولى في هذا الفن الصعب الذي انتعش في ديارها منذ بدايات القرن الماضي. فهو جزء من الطبع المصري ومن المقهى المصري ومن المسرح المصري الذي مرت على خشبته شخصيات لا تنسى ولا تتكرر.

منذ أربعين عاما وأنا أقرأ مجلة «نيويوركر» بحثا عن الإبداع الأدبي والارتقاء الصحافي، لكنني اكتشفت أنني، بغير وعي، مأخوذ بالعبقرية في رسومها الكاريكاتورية. وعندما بدأت «الفيغارو» أخيرا بنشر صور كاريكاتورية يومية من المجلة، رأيت في ذلك ذكاء مهنيا وليس تنازلا، أو إقرارا بالإخفاق. فالعبقري المستعار أفضل ألف مرة من الأصيل البليد. الكاريكاتور الذي لا تصفق بعد رؤيته، هو عمل غير صالح للنشر. الرسم الذي لا تحدث عنه أصدقاءك هو نوع من ملء الفراغ. الصورة التي تحتاج إلى شرح هي كلمات متقاطعة لا رسما كاريكاتوريا.

لا يزال عدد غير قليل من رسامي مصر، يذكرك بأيام زمان. بنكتة المقهى وحرافيش نجيب محفوظ وضحكات المسرح المصري الذي يشبه، غالبا، مصنعا للفرح وفابريكة للابتسام. ومن أجمل الابتسامات العفوية، دون خطأ، التي يمكن أن تتوافر للقارئ العربي، رسوم «حاجو» في «السفير» اللبنانية، التي تنشر منها يوميا صورتين، واحدة بعنوان «انظر الشكل» وأخرى بعنوان دائم هو «تهكم عن بعد». لا يمكن ألا تبتسم مع «حاجو» وريشته اللاذعة.

وكانت «السفير» قد اكتشفت في الماضي ناجي العلي، الريشة الفلسطينية الساخرة التي لن تتكرر. وكان ناجي، على بساطته في الحياة الخاصة، رجلا على معرفة فائقة بالقضايا العربية. وقد اغتيل في لندن التي اعتقد أنها سوف تحمي حريته. وقيل إن إسرائيل خلف الجريمة، وقيل إنه نقص المناعة العربي في تحمل النقد. وأيا كان الفاعل، فالخاسر كان فلسطين.