كرة القدم لمن لا قدم له

TT

يتساءل القوم ما سر هذا الفشل العربي في كرة القدم؟ أكثر من 25 دولة وما يزيد على الثلاثمائة مليون نسمة ولم يصل منها للمونديال غير دولة واحدة سقطت في أول مرحلة. تعددت الآراء والتوصيات. ولكن دعوني كلاعب كرة قديم أدلي بدلوي.

كرة القدم لعبة تعتمد على القدم. أقول ذلك لأن بيننا من لا يعرف ذلك ويتصور أن الجن تقوم بها، وما نراه على التلفزيون كله من فذلكات التكنولوجيا الاستعمارية ليشغلونا عن تحرير فلسطين. إنها تعتمد على استعمال القدم، أحيانا كلتا القدمين. ونحن فقدنا أقدامنا. نسينا كيف نستعملها. هذا سر فشلنا في هذه اللعبة. حالما يكبر الطفل تفتح له أمه التلفزيون فينبطح أمامه ويقضي نهاره يتفرج. يحل موعد العشاء فتأتيه الشغالة بطعامه. سرعان ما ينضم إليه والده ولكن على تلفزيون ثالث (التلفزيون الثاني تتفرج عليه زوجته في غرفة النوم). يفتح الفضائيات العربية ليتابع كيف يتم الإصلاح العربي ويستفيق المسلمون. يتمدد بقدميه، يتفرج، ينطق بشيء بين الحين والآخر، يشتم ويلعن. تأتيه الشغالة بطعامه فيأكل دون أن يحرك رجليه. يحين موعد النوم فيتثاءب ويتمطى ويلعن الشيطان ويأوي إلى الفراش.

لفتت نظري في منطقة الخليج ظاهرة المطاعم الجاهزة (تيك آوي). تأتي سيارات المرسيدس، تقف بعيدا عنها. لا يخرج الرجل ويذهب للمطعم ويتفرج على ما فيه ويختار. وإنما يبقى جالسا في سيارته. يأتيه صاحب المطعم ويقول له ما عندهم من أكل. فيختار على السماع. يبقى جالسا حتى يأتوه بطلبيته فيدفع وينصرف.

التقيت صديقا عائدا من لبنان. سألته كيف الأحوال هناك. قال لبنان أرقى بلد في العالم. لا يمكنك أن تتصور مدى التقدم في هذا البلد. تستطيع أن تطلب أي شيء وأنت جالس في مكانك فيأتيك به اللبنانيون. تريد أي طعام يخطر في بالك، برياني هندي، شاتوبريان فرنسي، فِش آند شِبس إنجليزي، سوشي ياباني. تفتح التليفون وتطلب. شبيك لبيك، دقيقتان ويحضر الطعام أمامك. تريد طاولة تضع عليها الأكل، تريد طاولة ستيل، طاولة ألمنيوم، طاولة زجاجية، طاولة مهاغوني شغل الصين. تخابر. شبيك لبيك وتحضر الطاولة أمامك. تضع الأكل وتأكل وتأكل وتأكل. تحصل عندك تخمة ومغص، تخابر الصيدلية. شبيك لبيك ويأتونك بقنينة غافزكون.

هذا هو المقياس العربي للمدنية. وهو أن يكون بإمكانك ألا تستعمل قدميك أبدا. يأتون بأي شيء لك وأنت منبطح على الكنبة. تتعب من الانبطاح، تنادي على الشغالة: «وحياتك يا بنت، تغيرين لي وضع رجلي. أيوه كده. اليمنى على اليسرى».

ويريدون منا أن نبدع في استعمال أقدامنا وننجح في لعب كرة القدم. سنفوز بكأس العالم عندما يجرون مونديالا في النوم.