فريد شكري.. حكاية تستحق أن تروى

TT

ذات يوم من عقد الستينات، كنت أردف الصديق الصحافي علي خالد الغامدي - أو يردفني لم أعد أتذكر - على دراجة نارية بشارع الميناء بجدة، حينما صاح صديقي قائلا: «هذا مخترع الطائرة»، وهو يشير بيده إلى شخص يقود سيارته برفقة أسرته، ويسحب خلفها آلة يصعب تحديد ملامحها، فغيرنا مسارنا خلفه، ومضى الرجل إلى أقصى جنوب المدينة، وهناك أوقف سيارته، وخرج مع أطفاله، يعالج تلك الآلة البسيطة المبهمة، وما هي إلا بضع دقائق، حتى حلق بها في الجو على ارتفاع منخفض، مرة، واثنتين، وثلاثا، قبل أن ينطفئ النهار، ويضطر إلى الهبوط، وقد علمت لاحقا أن الطائرة التي كان يقودها الرجل من صنع يده، جمعها من ماكينة وهياكل سيارات «موتوسيكلات» عتيقة، واستطاع أن يصنع منها طائرة تطير، وتحلق، وتتهادى في الفضاء، وفي زمن لم نكن نعبأ فيه بأمثال هذا العالم والمخترع والمبتكر تحول إلى مجرد حكاية، يرددها البعض في حارات جدة، وقارعة الصفحات الداخلية في بعض الصحف، قبل أن يطوي حكايته النسيان.

مرت أعوام، قبل أن أعين معلما في مدينة أبها في بداية عقد السبعينات؛ لأجد أمامي من جديد ذلك المخترع، وقد عاد إلى مدينته أبها بعد إحباطات طويلة؛ ليفتتح محلا صغيرا في وسط المدينة، لعله - إن لم تخن الذاكرة - كان يصلح فيه أجهزة الراديوهات والمسجلات، ومرت أعوام طويلة قبل أن يعود اسم الرجل إلى الذاكرة من جديد، مرتبطا باختراع نوع من السيارات - صناعة يدوية - أطلق عليها اسم «عسير»، ثم لفه النسيان من جديد وسط مجتمع لم يهتم بمثل هذا العبقري العظيم.

قبل أيام جدد الزميل علي عبد الله الموسى اسم الرجل في الذاكرة، عبر ما كتبه بعنوان «رجل من المستقبل يطير بطائرة من صنع يده»، أعاد فيه حكاية «فريد شكري»، هذا الرجل الاستثنائي، الذي لم يقدر حق قدره، ولم يحظ بما يستحقه احتفاء ودعما وتشجيعا.

واليوم في ظل كثير من المستجدات والمتغيرات، أتمنى أن يلقي إعلامنا الضوء - بأثر رجعي - على تجربة هذا الرجل، ومشواره، ومنجزاته، فحكاية هذا الرجل حكاية تستحق أن تروى.

[email protected]