أساطير!

TT

تنتقل العادات والحكايات والنكات والأساطير، من بلد إلى بلد، كالهواء أو تقلب المناخ. تذهب إلى قرية جزائرية فتسمع الناس يتحدثون عن طقس لم يكن غريبا عنك في قرية لبنانية. وتمر في قرية مغربية فتسمع حكاية كنت قد سمعتها في الريف المصري، مع تغيير طفيف في الأسماء أو الأمكنة.

كنت أعتقد أن الدعاء في افتداء المريض عادة ريفية لبنانية: «ليتني أنا ولا أنت»، تقول الأم لابنها، أو تضرع إلى الله قائلة: «ربي خذني وأبقه». ثم اكتشفت من قصائد غارسيا لوركا أن هذا طقس قديم في بلاد الإسبان. وهو كذلك في صقلية. إذن، هل هو التأثير العربي؟ هل هي أساطير اليونان؟ لا. إنك ترى التقليد نفسه في جزيرة كورسيكا، حيث يعرف باسم «كامبيو» أو الصرافة، كما في استبدال العملات. التقاليد واحدة تقريبا، من المرور قرب بئر، إلى رؤية كسوف الشمس. ومنع الأطفال في كل القرى من الإشارة بأصابعهم إلى السماء وهم يحصون النجوم، لأن كل نجمة سوف تتحول إلى «ثالولة» في اليد.

هل هي خرافات؟ تمهل قليلا قبل أن تجيب.. كم مرة قالت أمك وأنت مصاب بالحمى: «ليتني أنا ولا أنت»؟ وكم شعرت بأنها صادقة في أمنيتها لأن من الأسهل عليها بكثير أن تتألم من أن تراك تعاني؟ لقد كثرت الأساطير في الصدق، في عصور المشاعر، وطبعا في عصور الفقر. ففي غياب الطب والأطباء والقدرة على العلاج، كان اليأس يدب سريعا.. أنا ولا أنت، تبتهل الأمهات.

لعل هذه «الصرافة» أو «المبادلة» انتهت اليوم. فأطفالنا في عهدة فتيات آسيا وأفريقيا. لقاء لا شيء. والشيء الوحيد الذي نتكبد تعليمه للأطفال هو أن يعاملوا الشغالات كالعبيد، وأن يكونوا قربهن من دون أن يقتربوا منهن. نضعهم بين أيديهن ونحذرهم من الثأر بأخلاقهم وعاداتهم. نحذرهم من أي مشاعر ضعف أو محبة حيالهن. ونطلب من الأولاد أن يتحولوا إلى جواسيس: راقبوا ما تأكل. أخبرونا إذا مدت يدها إلى الثلاجة الكبرى. لا تدعوها تمد يدها إلى طعامكم.