خلاف زعيمين أم صراع يمينين؟

TT

إذا كانت إسرائيل مشكلة عربية وإسلامية وشرق أوسطية معا فهي، بالقدر نفسه، مشكلة يهودية ذاتية تتكشف تعقيداتها مع كل مشروع موازنة لوزارات الدولة.

الخلافات المزمنة على تقاسم أموال الموازنة بين الأحزاب الدينية والعلمانية – ومؤخرا بين المعتدلين واليمين المتطرف واليمين الأكثر تطرفا – خرجت منذ سنوات إلى العلن وتسببت في أكثر من مرة في أزمات حكومية. وتكرارها اليوم يؤكد الطابع «القبلي» لتركيبة مجتمع دولة يعتبرها الغرب الأكثر ديمقراطية في الشرق الأوسط. مشكلة الموازنة الإسرائيلية الحقيقية لا تكمن في حصص القيمين على الوزارات «المدنية» بقدر ما تعود إلى أولوية الإنفاق العسكري على غيره. على هذه الخلفية قد يبدو من الواقعية بمكان تقليل رئيس الحكومة، نتنياهو، من أهمية الخلاف الأخير بين الوزارات «المدنية» على تقاسم أموال الخزينة العامة. ولكن ما كان يفترض ألا يتجاهل نتنياهو أهميته في شكليات هذا الخلاف هو فرصة توظيفه كمناسبة سانحة ليس فقط لتصفية حساباته مع «الشريك المضارب» على اليمين الإسرائيلي، أي وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان، بل لرد «جميل استقبال» الرئيس الأميركي له في البيت الأبيض بالخروج ببادرة شجاعة تحرج ليبرمان وتخرجه من الحكومة.

بادرة كهذه، تصيب عصفورين بحجر واحد، لم تكن تحتاج إلى أكثر من تأكيد نتنياهو التزامه الجدي بحل الدولتين.

هذا لا يعني أن «ائتلاف» نتنياهو – ليبرمان أصبح من الهشاشة بحيث بات انفراطه متوقعا في أي وقت. ولا يبدو نتنياهو ولا ليبرمان بوارد فرطه – حتى الآن على الأقل.

أما عن العلاقة الصعبة بين نتنياهو وليبرمان... فحدث ولا حرج. خلافاتهما ليست قصة «رمانة بل قلوب ملآنة»، إن لم تكن متخمة بالكثير من التصرفات المزعجة من ليبرمان والمقلقة لنتنياهو، بدءا بدور ليبرمان في عملية التصدي الدموية لـ«أسطول الحرية» وما نجم عنها من تردي علاقات إسرائيل مع الدولة الإسلامية الوحيدة التي تقيم معها صلة استراتيجية (تركيا)، مرورا بمشروع ليبرمان لاعتناق اليهودية وما أثاره من استياء في أوساط الجالية اليهودية الأميركية، وانتهاء بتفرد ليبرمان بتعيين سفير إسرائيل في بوغوتا، ميرون روفين، ممثلا لبلاده في الأمم المتحدة دون موافقة رئيس حكومته على قرار التعيين، حسب تقارير الصحف الإسرائيلية.

ولأن نتنياهو يحب أن يؤكد، تكرارا، أنه هو، لا ليبرمان، المهندس الأول لسياسة حكومة اليمين الائتلافية، ولأن ممارسته الفعلية لهذا الدور تصطدم دوريا بمخططات ليبرمان الذي يتصرف «كرئيس ظل» لليمين الإسرائيلي المتطرف في حكومة نتنياهو، اليميني أصلا، بات واضحا أن تعايش «يمينين» متنافسين داخل حكومة واحدة لم يعد مريحا لأي منهما.

عمليا، إذا كانت خلافات نتنياهو وليبرمان مؤشرا لظاهرة سياسية ما، فقد تكون ظاهرة تعب اليمين الإسرائيلي من تحمل رأسين على طبق واحد داخل الحكم، ويمين ثالث خارجه في وقت بات فيه لزاما على كل تلاوين اليمين الإسرائيلي صياغة رؤية واحدة، ونهائية، لعقدة «الكيان» الإسرائيلي. خلافات نتنياهو - ليبرمان تتعدى نطاق الخلاف الطبيعي بين سياسيين يتنافسان على زعامة اليمين الإسرائيلي إلى خلاف تيارين يمينيين دب التباين مؤخرا في رؤيتهما للكيان الإسرائيلي النهائي: تيار يمثله حزب «إسرائيل بيتنا»، انعزالي متقوقع على ذاته كما أثبت في اقتراحه فرض قسم ولاء لإسرائيل «كدولة يهودية صهيونية ديمقراطية» وفي مخططه لفصل قطاع غزة عن الضفة والقدس والتعامل معه ككيان دولي منفصل، وتيار يميني يمثله الليكود، يبدو أكثر إدراكا لضرورة مراعاة عدد من المعطيات الإقليمية والدولية لضمان استمرار إسرائيل، كما ظهر من تقبله - وإن بخجل - لحل الدولتين... الأمر الذي يقربه، أكثر فأكثر، إلى اليمين الإسرائيلي الثالث، أي كاديما، القابع حاليا في صفوف المعارضة.

والسؤال الذي يطرح نفسه اليوم هو: هل تؤشر خلافات نتنياهو وليبرمان إلى إمكانية اجتياز حكومتهما «امتحان الدولتين»... بنجاح؟