من هو باراك أوباما؟

TT

جمعت «واشنطن بوست» و«نيويورك تايمز»، يوم الجمعة الماضي، أكثر من 20 خبيرا ووجهتا إليهم السؤال التالي، حسب ما ذكرت الثانية: «كيف يمكن لأوباما استعادة سابق نشاطه؟». وهو سؤال وجيه لا شك في ذلك، حيث يشير استطلاع رأي أجرته «واشنطن بوست» بالتعاون مع «إيه بي سي نيوز» إلى أن 6 من كل 10 ناخبين «يفتقرون إلى الثقة في أن الرئيس يتخذ القرارات الصائبة لصالح البلاد»، لكن الأسوأ من ذلك أن أوباما لا ينسب إليه فضل القرارات الصائبة التي اتخذها، مثل مبالغ الإنقاذ المالي التي وجهت إلى المصارف لحماية البلاد من تداعي النظام المالي وحزمة المحفزات المالية التي نجحت في اجتذاب الاقتصاد بعيدا عن حافة الهوية التي كان قد أوشك على السقوط فيها. وبجانب إصلاح الصناعة المالية والرعاية الصحية، تعد تلك الخطوات إنجازات كبرى، لكن الناخبين يعارضون وجهة النظر تلك.

والتساؤل هنا: لماذا؟ تبدو بعض الإجابات واضحة، حيث لا تزال عجلة الاقتصاد بطيئة ولا تزال معدلات البطالة مرتفعة. ولم يستشعر المواطن العادي بعد تأثير قانون الرعاية الصحية في الوقت الذي لم يكد يجف فيه بعد حبر قانون الإصلاح المالي. وحتى تكتسب هذه الإجراءات شعبية واسعة، يبقى من الممكن تعرضها لسوء التوصيف من جانب جمهوريين وعناصر أخرى ساعية للإضرار بصورة الإدارة. بالنسبة للاقتصاد، فإن العمل على منع مزيد من التردي بالأوضاع لا يكافئ تحسين الأمور. مثلا، إذا كنت بلا عمل، فمن غير المحتمل أن تبتهج بأن الركود توقف عند أعتاب منزلك ولم يصب جارك في المنزل المجاور؛ إن عملك هو الذي يحمل الأهمية الكبرى بالنسبة لك.

إذن، ما الذي يمكن فعله حيال ذلك؟ أعرب معظم الخبراء المنتمين إلى وسائل الإعلام التي تشكل التيار الرئيسي عن كثير من الأفكار في هذا الصدد. مثلا، قال ديفيد فروم إن «التفكير الجديد» بمقدوره إنقاذ أوباما، بينما أكدت إليزابيث إدواردز أن إحياء الحرب ضد السرطان بمقدوره تحقيق المعجزات.

وأعربت كاثرين إيه. ماكلين، خبيرة الاستراتيجيات في الحزب الديمقراطي، عن اعتقادها بأنه ينبغي على أوباما التركيز على الوظائف، في الوقت الذي قال فيه ماثيو داود، من «إيه بي سي نيوز» إنه على الرئيس التخلص من النزعات الحزبية. وحثت دونا برازيل أوباما على تصعيد لهجته الخطابية، بينما أبدى بوب كيري، سيناتور نبراسكا السابق، تفضيله «حملة لتعزيز الإبداع بالقطاع الخاص»، واقترح مارك بين مضاعفة حجم برنامج الفضاء، وأشار إدوارد رولينز إلى اعتقاده بأن أوباما سيبلي بلاء حسنا إذا ما توقف عن إلقاء اللوم على عاتق سلفه عن المصاعب التي تعانيها البلاد، وقال روبرت شرومباينز إن «أوباما في حاجة فقط لأن يكون على طبيعته». لا شك في أن كل هذه المقترحات رائعة، وبعضها يمكن أن يدار بشأنه ندوة ممتازة داخل «معهد بروكنغز». لكن المغالطة التي تنطوي عليها تتجلى عندما تجري مقارنة أوباما برونالد ريغان، مثلما يحدث دوما. إن التشابهات بين الرجلين سطحية، وعلى رأسها أن ريغان هو الآخر جابه مشكلات كبيرة خلال رئاسته جراء تعرض البلاد لركود شديد. في الواقع، خسر الجمهوريون مقاعد في مجلس النواب خلال انتخابات التجديد النصفي عام 1982، وهو المصير نفسه الذي يواجهه الديمقراطيون الآن، طبقا لما يراه جميع الخبراء السياسيين المحنكين. بطبيعة الحال، مضى ريغان قدما للفوز بإعادة الانتخاب بنجاح ساحق، ومنذ ذلك الحين اكتسب مكانة كبرى. ربما يشعر أوباما بسعادة شديدة بمقارنته مع ريغان، لكن هذه المقارنة غير ملائمة، حتى في أحلك أيام ريغان عندما، طبقا لمعهد «غالوب»، كان 6 من بين كل 10 أميركيين لا يروق لهم أسلوب إدارته للرئاسة. وعلى الرغم من ذلك، فإن 6 من بين كل 10 أميركيين قالوا إنهم معجبون بالشخص ذاته. بالطبع كان ريغان شخصية ساحرة وصادقا ومتمرسا. والمهم أيضا أن الرأي العام كانت لديه ثقة في اتساق مبادئه، سواء اتفقنا مع ذلك أم لم نتفق. وقد ساعدت هذه المعضلة في تعزيز فترة رئاسة ريغان.

ليس هناك من يقول إن أوباما محبوب، كما أنه ليس من الطراز المنفر، لكن المشكلة أن أوباما يفتقر إلى الدفء الذي كان يتمتع به ريغان (وكذلك بيل كلينتون). الأهم من ذلك، أن رئاسته كانت قصيرة، فهو لم يقد حركة أو عمل بمثابة متحدث رسمي باسم آيديولوجية بعينها، ويبدو بعيدا عن الأميركيين، فهو لا يطلق نكاتا أيرلندية وليست هناك صلة قرابة تربطه بالناخب العادي. على النقيض، وجود ريغان دوما. وقد تميز بالخطابات التي لا حصر لها وقضائه فترتين مثيرتين للجدل في منصبه كحاكم لكاليفورنيا ومنافسة سابقة على الرئاسة. لذا، لم يكن هناك شك في مَن هو ريغان وما يمثله من مبادئ. لكن هذا الأمر لا ينطبق على أوباما. في الواقع، يبدو أن كل ما يتشارك فيه مع ريغان حاليا هو تردي معدلات التأييد.

إن ما أصبح يطلق عليه «معضلة أوباما» ليس في حقيقته معضلة على الإطلاق. إن الناخبين يفتقدون الثقة في قدرته على اتخاذ القرارات الاقتصادية الصائبة، لأنه في ما يخصهم لم يفعل ذلك. لقد أبدى فتورا تجاه بنيامين نتنياهو، رئيس وزراء إسرائيل. ويعلم الأميركيون أن أوباما ذكيا، لكنهم لا يعرفونه حق المعرفة حتى الآن. وقبل أن ينسب إليه الأميركيون فضل ما حققه، لا نزال في حاجة إلى أن نعرفه أكثر. ونحن الآن في انتظار ذلك.

* خدمة «واشنطن بوست»