تائهون في متاهة

TT

يؤكد شلال التسريبات بشأن أفغانستان على الحقيقة المروعة، وهي أننا لا نسيطر على الأمور.

لم تكن هناك أي معركة مربكة إلى هذه الدرجة، منذ أن حارب ثيسيوس المينوتور في متاهته في الأساطير اليونانية.

كلما حاولنا فعل المزيد من أجل الدول الضعيفة التي نقوم بحمايتها، كانت هذه الدول أكثر غضبا بشأن ما نحاول القيام به. ففي الوقت الذي صادق فيه الكونغرس على تمويل إضافي للحرب بلغ 59 مليار دولار يوم الثلاثاء الماضي، كانوا يعربون عن ازدرائهم.

لقد أعطت واشنطن المصارف في وول ستريت المليارات، وقامت بدورها بطعننا في الظهر، حيث سلمت ثروات من المكافآت للمحتالين الذين حطموا اقتصادنا تقريبا.

أعطت واشنطن الباكستانيين مليارات الدولارات، وبدورهم طعنونا في الظهر، حيث تعهدوا بمحاربة المسلحين في الوقت الذي يقدمون لهم المساعدة بصورة سرية.

ما نزال محل تلاعب من جانب أناس يلعبون على الجانبين.

أشار روبرت غيبس إلى أن الرئيس أوباما قال العام الماضي «لن نقدم شيكا مفتوحا» إلى باكستان «ولن نستطيع القيام بذلك».

لكن خلال الأسبوع الماضي، وصلت وزيرة الخارجية الأميركية هيلاري كلينتون إلى باكستان لتقديم شيك مربح: مساعدات بقيمة 500 مليون دولار للدولة التي كانت تحصل على مليار دولار مساعدات كل عام خلال معظم العقد الحالي، وفي عام 2009 تلقت تعهدا بـ7.5 مليار دولار إضافية خلال السنوات الخمس المقبلة. وتعهدت كلينتون بالتخلص من «إرث الشكوك» وإظهار أن «هناك أمورا كثيرة للغاية يمكننا إنجازها سويا كشركاء مرتبطين في قضية مشتركة».

وقال غيبس إن طوفان وثائق الحرب المحزنة من موقع الوشاة «ويكيليكس»، التي نقلتها صحيفة «نيويورك تايمز» وغيرها من الصحف، عبارة عن أخبار قديمة. لكن هذه الوثائق عكست حقيقة واحدة مخيفة، وهي أن طالبان تتطور نحو الأفضل في كل عام من أعوام التمرد. لذا نتساءل: لماذا سيكون إرسال 30 ألف جندي إضافي مفيدا؟

لقد غزونا دولتين، وتحالفنا مع ثالثة، وجميعها مشتهرة بالنفاق. وفي ظل انجذابنا الآن للدخول في متاهتهم، ما زلنا لا نمتلك الفكرة الأكثر ضبابية، التي يكتنفها ضباب الحروب، حول كيفية عمل هذه الثقافات. قبل ذهابنا إلى أفغانستان والعراق، كانت هاتان الدولتان مشهورتين بثقافات المحاربين. وفي الحقيقة، يعد المتمردون في هاتين الدولتين على مستوى عالمي.

بيد أنه كلما تحاول أميركا تدريب القوات الأمنية في العراق وأفغانستان بحيث تستطيع ترك دولة مستقرة إلى حد ما، تبدو هذه المهمة شاقة ومستعصية تماما، حيث يستغرق الأمر فترات أطول مما يتوقع المسؤولون لدينا. تنقلب القوات التي نقوم بتدريبها ضدنا، أو تنضم إلى الجانب الآخر أو تلوذ بالفرار. إذا أعطيناهم سجنا مشدد الحراسة، كما فعلنا في الآونة الأخيرة في العراق، يتم السماح للمسلحين المنتمين لـ«القاعدة» والمسجونين في هذا السجن بالفرار على نحو مفاجئ.

تباهت الإمبراطورية البريطانية بنفسها بشأن اكتشاف أعراق المحاربين في المناطق التي غزتها، الجوركا والسيخ والبشتون. لكن لماذا تكون هذه ثقافات محاربين فقط حتى نريدهم أن يكونوا محاربين على جبهتنا؟ ثم إنهم ضعفاء وغير قابلين للتدريب، حتى عندما ننفق 25 مليار دولار على بناء الجيش الأفغاني وقوات الشرطة الوطنية، التي وصفتها مجلة «نيوزويك» بأنها «العصابة التي لا تستطيع التصويب بصورة مباشرة».

ولعلنا لا نستطيع فقط تدريبهم لقتال بعضهم البعض. لكن لماذا لا تستطيع الدول التي تنتج حركات تمرد شرسة إنتاج جيوش قوية في فترة زمنية معقولة؟ هل يتعلق الأمر فقط بأن حركات التمرد من الممكن أن تكون أكثر عشوائية؟

لكن الأمور سيئة للغاية لدرجة أن روبرت بلاكويل، الذي كان في فريق الأمن القومي في واشنطن، كتب في «بوليتيكو» أنه ينبغي لإدارة أوباما الإقرار بالفشل أو تسليم الجنوب البشتوني إلى حركة طالبان ما دامت، وبصورة حتمية، لن تسيطر عليه بأي حال من الأحوال. وقال إن الإدارة لا تقدر إلى أي مدى يعد الأمر انتفاضة قومية للبشتون.

لا نزال نسمع أن العقد الماضي من الحرب، الذي أنفقنا خلاله المليارات من أجل بناء العراق وأفغانستان في الوقت الذي تعثر فيه اقتصادنا، قاد إلى إضعاف «القاعدة».

بيد أنه أثناء جلسة المصادقة على تعيينه يوم الثلاثاء الماضي أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ، حذر الجنرال جيمس ماتيس، الذي من المقرر أن يحل محل الجنرال ديفيد بيترايوس، من أن تنظيم القاعدة والحركات الشيطانية التابعة له تمثل خطرا صارخا في جميع أنحاء الشرق الأوسط وآسيا الوسطى.

ففي حين نظل في أفغانستان، استطاع تنظيم القاعدة أن يحدث اضطرابات في اليمن «خارجة عن السيطرة»، كما قال ماتيس في شهادته أمام مجلس الشيوخ.

وقال الجنرال إن المناطق القبلية في باكستان «لا تزال الخطر الأكبر حيث إنها معاقل استراتيجية لتنظيم القاعدة وقادته البارزين، بمن فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري. ولا تزال أساسية بالنسبة إلى جهود المتطرفين لحشد المقاومة من المسلمين في جميع أنحاء العالم».

وقال الجنرال ماتيس إننا لا نغادر أفغانستان؛ إننا نبدأ «عملية انتقال للقوات الأفغانية». بيد أن هذه العملية لا يبدو مطلقا أنها اجتازت نقطة البداية. وأثناء النقاش حول تمويل الحرب يوم الثلاثاء الماضي، حذر العضو الديمقراطي بمجلس النواب جيم ماكجفرن من أننا في متاهة ضخمة من دون معرفة طريق الخروج.

وأخبر كارل هولس من صحيفة «تايمز»: «تم وضع جميع أجزاء اللغز معا، لكنها ليست صورة جميلة. في الحقيقة الأمور قبيحة هناك».

* خدمة «نيويورك تايمز»