شخصية القاتل

TT

منذ أن قتل قابيل أخاه هابيل، وجرائم القتل لم تنقطع أو تتوقف، وهي بكل تأكيد أسوأ ما علق بمسيرة الإنسان من سقطات ومثالب، ليغدو التاريخ - كما يقال - ترسانة من الدموع، ويتضح الانحياز للقاتل في بعض الثقافات أن تجد اسم قابيل أكثر انتشاراً من اسم القتيل هابيل.

وتثير الجرائم التي يتعرض لها بعض المشاهير أو يرتكبونها - الكثير من نقع الشائعات، وأعاصير الكلام، وخاصة أننا نجد في قفص الاتهام في عدد من الحالات أشخاصا لا يمتلكون سجلا إجراميا من قبل، كالمذيع المصري في قطاع الأخبار إيهاب صلاح، الذي قتل زوجته قبل بضعة أسابيع عقب مشاجرة بينهما، ولم يكتشف زملاؤه أي بوادر عنف على سلوكياته قبل ارتكاب الجريمة.

والسؤال: هل يمكن اكتشاف الأشخاص الذين لديهم قابلية لارتكاب جريمة قتل؟

وأنا لست مع نظرية التحول المفاجئ للإنسان من شخص مسالم إلى شخص يقدم على ارتكاب جريمة يزهق خلالها روحا إنسانية، فالقتلة في العموم يمكن ملاحظة بوادر الاستعداد للجريمة في أحاديثهم وبعض تصرفاتهم في لحظات انفعالية معينة، ومن هؤلاء ضحايا تربية منزلية متوحشة تكثر في أحاديثها العائلية من قبل الأب والمحيط مفردات القتل، ضمن قاموس تهديداتهم، وقد يدرجها هذا المحيط غباء في خانة الشجاعة، فيكتسب الفرد في مثل هذه البيئات المتخلفة استعدادا لارتكاب جريمة القتل في ظروف معينة، إذا ما لامست بعض قناعاته التي توهم صحتها، ومن هنا تأتي أهمية الإرشاد الأسري لتوعية الأفراد بضرورة إزالة الاحتقان الذي يحدث في نفوس الصغار بفعل التربية «العنترية» الخاطئة.

ونسبة كبيرة من الذين يشرعون في جريمة قتل يمكن أن يكرروا السلوك نفسه في مواقف مماثلة، ولذا فإن التعاطف الاجتماعي في المساهمة في دفع الديات لبعض القتلة، التي تصل في السعودية في بعض حالاتها إلى خانة الملايين، ينبغي أن يبنى على تقارير نفسية ذات مصداقية عالية بأن القاتل خضع لعلاج مكثف، وأنه لم يعد خطرا يهدد أمن المجتمع وسلامته.

وتلعب الثقافة الاجتماعية دورا كبيرا في ارتفاع نسبة حوادث القتل أو انخفاضها من مجتمع لآخر، بقدر قيمة الإنسان التي تؤسس لها التربية في هذه الثقافة أو تلك، بعيدا عن التباينات العنصرية والطائفية والمذهبية والجهوية، وللتأثير في الثقافة السالبة التي تهتز فيها مكانة الإنسان يفترض نشوء عمل مؤسساتي تربوي، واجتماعي، وإعلامي، تكون له أهدافه وغاياته المحددة، ووسائل قياسه، فالوعي هنا قد يصلح ما أفسدته تراكمات الأخطاء.

[email protected]