20 عاما على غزو الكويت (2 - 3)

TT

يصادف الغد الذكرى العشرين لأكبر زلزال هز العلاقات العربية في تاريخها الحديث، حين اجتاحت القوات العراقية الكويت في الثاني من أغسطس (آب) عام 90. كان الجانبان العراقي والكويتي، قد بدءا محادثات في جدة بالمملكة العربية السعودية. كعادتها وكنهجها، استضافت المملكة الجانبين في محاولة لوقف الحملات التي شنها العراق على الكويت ودولة الإمارات العربية المتحدة بحجة «سرقة نفط العراق». وما أشبه الليلة بالبارحة، فها هو العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز يجوب المنطقة هذه الأيام ويعقد القمم بشكل ثنائي وثلاثي لمحاولة رص الصف العربي وحمايته من الفتن والتصدع.

المحادثات العراقية - الكويتية توقفت على أن تستأنف في بغداد. لكن الجيوش العراقية التي احتشدت على الحدود الكويتية، كان لها حسابات أخرى. فاجتاحت الكويت ليلة الخميس الغادر واستباحتها سبعة أشهر وعملت على التنكيل بأهلها وسلب ما في خزائنها ومحلاتها وبيوتها بطريقة همجية بشعة، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلا. المئات من الكويتيين قتلوا، وسيق الآلاف من شعب الكويت لسجون الطاغية، وبعضهم لم يعثر له على أثر حتى اليوم.

القيادة الكويتية اضطرت للانسحاب للمملكة العربية السعودية التي أصبحت ملاذا وملجأ لكل كويتي استطاع أن يهرب من جحيم الاحتلال. حاولت المملكة العربية السعودية إقناع صدام حسين بالانسحاب من الكويت، لكن جيوشه احتشدت على الحدود السعودية مهددة بدخولها، وهو تهديد نفذه بشكل يائس حين اخترقت بعض وحدات جيشه الخفجي لساعات في خضم حرب «عاصفة الصحراء».

ولئن كان الكويتيون يستذكرون بالمرارة طعنة الغدر والخديعة من قبل الجار الشقيق العربي، فلقد كان بلسم الانتصار لحقهم، وغضبة «الفزعة» المضرية لهم سعودية بالدرجة الأولى، فلقد سخرت المملكة العربية السعودية أرضها وسماءها ومياهها لنصرة الحق الكويتي، ووقف الشعب السعودي بكامله خلف قيادة الملك فهد بن عبد العزيز، رحمه الله، مساندا ومناصرا لكل كويتي طرده الغزو والعدوان من بلاده. إلى أن جاءت ساعة الصفر، فتحولت أراضي المملكة العربية السعودية إلى ميدان لاندلاع الحرب، وتحملت المملكة العربية السعودية من أجل نصرة الحق ومن أجل الكويت الكثير من الأذى والمشقة، وقدمت جل التضحيات في مواجهة ودحر العدوان.

ويستذكر الكويتيون أيضا مواقف أشقائهم في دول الخليج، الذين سخروا الغالي والرخيص من أجل مناصرتهم، كما لعبت مصر وسورية والمغرب دورا محوريا في حشد التأييد لنصرة المظلوم والتصدي للظلم.

لقد سجل المجتمع الدولي في ذلك العام تحالفا غير مسبوق في التاريخ لإعادة الشرعية والاستقلال لدولة عضو في الأمم المتحدة، وكان ذلك التحالف إيذانا بافتتاح عهد جديد في العلاقات الدولية، ومرحلة جديدة في العلاقات العربية - العربية.

ولقد كان الأساس في نجاح حملة المناصرة الدولية التي انتفضت لنصرة الكويت، هي نصرة الكويتيين لأنفسهم، فلقد رفضت كل القوى السياسية والفئات الاجتماعية والطائفية المختلفة التعامل مع المحتل، وعارضت بالدم والمقاومة القفز على دباباته لمناصرته في عدوانه على بلادهم، وسجل الكويتيون بذلك سابقة في تاريخ الحروب والغزوات لم يشهدها غزو أو احتلال على مر التاريخ، فأرشيف التاريخ يسجل لنا أنه ما من غاز غزا، ولا محتل أتى، إلا وكان له مناصروه ومؤيدوه ومن هم على استعداد للتعاون معه طمعا أو خوفا، لكن الأمر لم يكن كذلك بالنسبة للكويتيين الذين التفوا حول قيادتهم الشرعية والدستورية.

اندحر العدوان، وتحررت الكويت، واستمرت العلاقات المتأزمة بين البلدين «الشقيقين» حتى سقوط نظام صدام عام 2003، فكيف تكون علاقات البلدين المستقبلية؟ وما آفاق تطوراتها؟ وكيف يمكن لنا أن نقرأها مقارنة بما كانت عليه قبل عشرين عاما؟ هذا ما سنكتب عنه غدا...