عشرون عاما على غزو الكويت (3 - 3)

TT

تمر اليوم الذكرى العشرون لغزو العراق للكويت عام 1990، وتصاحبها ذكريات مؤلمة، واسترجاع شرخ كبير في العلاقات العربية، وبالذات العراقية - الكويتية. فكيف هي الحال اليوم بين العراق والكويت؟ وما هي آفاق مستقبل العلاقات بينهما؟

المنطق والعقلاء يقولون بما ليس منه بد، فالعراق والكويت دولتان جارتان ولا مجال في علاقات العالم اليوم إلا بالتعاون والصداقة وتقوية أواصر العلاقات بين البلدين على أسس المصالح المشتركة. وما يجمع الدولتين والشعبين أعمق وأشد وثاقا من أن يلغيه الاحتلال، مهما كانت آلامه ومآسيه، وأصلب من أن ترفضه السياسة مهما تباعدت رؤاها ومهما ابتعدت مواقفها.

كانت الكويت منطلقا لتخليص العراقيين من الدكتاتورية، حيث كانت الدولة الوحيدة التي وافقت على انطلاق قوات التحالف الأميركي على غزو العراق وإسقاط نظام صدام حسين فيها، وذلك لعدة أسباب، أهمها: عدم شعور الكويتيين بالأمن والاستقرار ما دام صدام حسين ونظامه موجودين في بغداد، وثاني أهم الأسباب أنه ما كان للكويتيين أن يرفضوا للعراقيين ما قبلوه لأنفسهم، حيث تخلصوا من صدام بمساعدة دولية، فصدام الذي احتل الكويت كان صدام نفسه الذي بقي جاثما على صدر العراق وأهله.

سبع سنوات مضت على سقوط صدام، وعشرون عاما مضت على غزوه للكويت، فكيف يشعر الكويتيون أمنيا تجاه العراق؟ لا يختلف اثنان على أن المغامرة الجنونية التي أقدم عليها صدام حسين لن تتكرر، ويقر المتابعون بأن استقلال الكويت وحدودها مع العراق أصبحت مسألة لا غبار عليها، لكن المسألة بقيت عالقة حول وضع علامات حدودية وفقا لقرار ترسيم الحدود رقم 833 الذي أقره مجلس الأمن، وقبل به عراق صدام وأقرت به الحكومات التي تلت سقوطه جميعا. وعلى الرغم من أن مسألة علامات على الحدود ليست بالشيء الفريد ولا هو بالنادر بين حدودنا العربية المختلفة، فإن بقاء بعض العلامات غير محددة المعالم يدفع بعض الكويتيين للتشاؤم: «من لدغته الحية.. خاف من الحبل».

وبقيت مسائل معلقة لا دخل للكويت والعراق فيها؛ مثل بقاء العراق تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وهو أمر فرضته الشرعية الدولية ولن يزيله سواها، وقضية التعويضات التي فرضت أيضا بقرار من الأمم المتحدة وأبدت الكويت استعدادها للتعامل معها على أساس مشاريع مشتركة بين البلدين يمكن أن ترمم جسورا تهدمت، وثقة تدمرت بفعل صدام حسين.

يرى الكويتيون أن كثيرا من المسائل العالقة بين الطرفين مسألة طبيعية، وأنها ليست بخلافات قدر ما هي قضايا تجدها بين أي دولتين جارتين، لكن العراق يمر بمرحلة انتقالية، ولا يزال «عمليا» تحت الوصاية الدولية، ويعيش فراغا سياسيا طال أمده، وغياب تشكيل حكومة تتعسر ولادتها يوما بعد يوم، يبطئ إزالة عوالق الماضي وإنهاءها.

أصوات نشاز تخرج من هنا وهناك بين فترة وأخرى، تحاول اجترار الماضي بكل مشاهده وقبحه، وهي تداعيات طبيعية لا يمكن زوالها في القريب العاجل، بل لعلها تكون محفّزا لتجاوز الماضي دون نسيان دروسه، والتطلع للمستقبل برؤى من ينشد التعايش والسلام والتقدم للبلدين. المنطقة دمرتها الحروب، وأتعبتها السياسة، وأنهكها الجهل والغوغاء، ولا مناص من التطلع للمستقبل، ولا بديل عن تجاوز الماضي بكل مراراته.

مؤسف أن الذكرى العشرين للغزو العراقي للكويت مرت بنا كأمة دون أن تلقى الاستذكار العقلاني والإعلامي لدروسها، خاصة وأن مشاهد التوتر والغزوات والفتن ما زالت منتشرة بين ظهرانينا، ومعششة في عقول دكتاتوريينا وكثير من مثقفينا. إن الغزو كان وليد ثقافة أدت إلى الدمار، ورحيل صدام حسين لم ينه جذور تلك الثقافة، فهي راسخة في مناهجنا وتاريخنا وإعلامنا وخطبنا.

في هذه الذكرى الحزينة، نبشر بالمستقبل، ونستلهم من الماضي عبره، فلا خيار لنا سوى الحياة، ولا بديل للحياة سوى الموت، وعلينا أن نشيع الأمل، ونعمم السلام، ونتطلع للمستقبل، ونعمل على خلق جيل محب للحياة الكريمة، والعيش المستقر الآمن المزدهر، فنحن كبشر نستحق ذلك.. أليس كذلك؟