..إذاً لماذا أطحتم بصدام حسين؟

TT

أمر عجيب، فبينما يؤكد الرئيس الأميركي عزم بلاده سحب قواتها من العراق نهاية الشهر، ما زال رئيس الوزراء العراقي يواصل التمسك بالسلطة رغم خسارته الانتخابات الاخيرة، بل وتدافع عنه إيران بالقول: أقبلو بالمالكي ولو ضربكم على رؤوسكم!

ونقول «أمر عجيب» لأن المتابع لا يملك إلا أن يتساءل: وما هو الفرق إذاً بين نوري المالكي وصدام حسين؛ فالأول يقول إن علاوي تقدم بالانتخابات بفارق صوت، ولا يعتبر تلك خسارة، بينما صدام كان يقول إن العراقيين قد صوتوا له بدمائهم بنسبة 100 في المائة؟ والسؤال الأهم: لماذا إذاً أطاحت القوات الأميركية بصدام حسين لتخلف لنا، وللعراقيين، صدّاماً آخر، هو المالكي، ولكن تحت غطاء ديمقراطي؟

واشنطن بررت غزوها للعراق بالبحث عن أسلحة الدمار الشامل، التي لم تجدها، وإن كانت الأسلحة الأخطر هي تلك العقول التي أدارت العراق تحت قيادة صدام، إلا أنه بعد ذلك عاد الأميركيون ليقولوا إن إطاحة صدام من شأنها أن تطلق ربيع الديمقراطية بالمنطقة، وليس العراق وحسب، وما يحدث إلى اليوم هو العكس؛ فمعاناة العراقيين بازدياد، والخطر الذي يحدق بالعراق، والمنطقة، ينذر بفتح أبواب الجحيم على الجميع.

فحديث الأميركيين عن ديمقراطية العراق، وضرورة أن يتدبر العراقيون أمر بلادهم بأنفسهم كلام جميل، لكنه عذر جيد لفعل قبيح، فما الفرق بين صدام والمالكي؟ وكيف هو حال العراق اليوم مقارنة بالأمس؟ وما هي حجم المخاطر المتوقعة من العراق، وعليه، بعد الانسحاب الأميركي، مقارنة بعهد صدام حسين؟ نقول هذا ليس حرصاً على بقاء المحتل، وإنما من باب أن على من أفسد بغداد أن يصلحها، ومن أفسد العراق هم الأميركيون الذين بات من الواضح أن كل خططهم، قبل غزو العراق، كانت متركزة على كيفية إسقاط نظام صدام، دون أن يملكوا خطة واضحة لما بعد ذلك.

وعليه فإن ديمقراطية العراق اليوم هي أشبه بمن اختطف طفلا من أهله، ثم ألقى به في حارة بلطجية وقال له تدبر أمورك لتتعلم أسرار الحياة، وسر البقاء، فالديمقراطية غرسة تسقى بالعمل، والمثابرة، والصبر، وأحياناً بالدماء، لكن زرعها دائماً ما يكون مصاحباً لجهد مواز من البناء، وهذا ما يفتقده العراق، حيث فرضت عليه الديمقراطية بشكل سطحي تماماً.

فملخص ما فعله الأميركيون هناك هو أنهم أدخلوا العراق المريض بعمر فترة حكم صدام حسين وأخضعوه لعملية جراحية صعبة، وحرجة، وطلبوا منه، أي العراق، ثاني يوم العملية أن ينهض ويركض في سباق ألف متر تتابع، في منطقة تعج بالذئاب!

عراق ما بعد صدام لم يكن بحاجة لديمقراطية سطحية، بل كان، ولا يزال، بحاجة إلى حاكم قوي، من الجيش، ومن قماشة العادل المستبد، أو كمال أتاتورك عراقي، ليهيئ البلاد لمرحلة ما بعد صدام، ويضمن بناء المؤسسات، وتجنيب العراق الوقوع في أيدي قوى طامعة، ويحميه من الطائفية والاحتراب ليضمن له الوصول إلى مرحلة دولة المؤسسات الديمقراطية الحقيقية، لا دولة حكام طائفيين لا يرون أبعد من أرنبة أنوفهم. وهذا ما تؤكده أحداث العراق كل يوم.

[email protected]