استفزاز أكثر من مليون مواطن!

TT

مرت منطقتنا بقضايا كثيرة شديدة الحساسية والخطورة، وأبرز مثال هو الإرهاب الذي ضرب دولنا ومنطقتنا. ولكن رغم أن الأمر أمني وحساس، فإن أجهزة الأمن تعلمت درساً أساسياً؛ وهو ضرورة توفير المعلومة أولا بأول للرأي العام، وضرورة التمسك بالمصداقية. فاستطاع الأمن بالتالي إقناع المواطنين، وكسب احترامهم.

لكن المحير اليوم، والأمر غير المفهوم، هو طريقة معالجة أزمة جهاز «البلاك بيري» التي دشنتها الإمارات، وأشعلتها السعودية، على اعتبار أنهما الأكبر من حيث حجم المستخدمين، والأسرع لإعلان وقف الخدمة، فلا الإماراتيون، ولا السعوديون بالطبع، استطاعوا شرح موقفهم بشكل واضح للرأي العام، بل ما زال الموقف ضبابياً، حيث نجد الصحافة تتخبط دون أن تجد من يشرح لها، ويفسر بشكل واضح. والكل يجتهد؛ حيث انبرت بعض الصحف تذكرنا بالعواقب الأخلاقية للجهاز، علماً أن بعض الفضائيات العربية، ناهيك عن الصحف نفسها، أشد خطراً على الأخلاقيات من أي تكنولوجيا أخرى.

لذا فإن المتابع يشعر بحيرة من الصمت المطبق من قبل الجهات المعنية في الإمارات والسعودية، خصوصاً مع القلق المتزايد الذي ينتاب المستخدمين الذين يتجاوز عددهم المليون مستخدم في البلدين، فالأمر لا يستحق كل هذا الغموض والإشاعات والاستفزاز. فقط اخرج واشرح قضيتك، وما هي الإجراءات التي تريدها، وما هي الخطورة المترتبة على الخدمة.. وستجد من الناس - بالطبع ليس بالضرورة جميعهم، بل شريحة عريضة منهم - التجاوب والتفهم لموقفك، خصوصاً إذا كان الأمر يتعلق بقضايا أمنية حساسة تمس حياتهم وأمنهم مباشرة، وذلك أنجع بكثير من الصمت، فالرسالة التي وصلت للناس اليوم هي أن حكومتكم تريد التجسس عليكم، وهذا غير صحيح طبعاً، لكن على صاحب الشأن أن يشرح موقفه.

فقضية جهاز «البلاك بيري» ليست متعلقة بشباب أدمنوا استخدامه، بل هناك قطاع اقتصادي عريض يتأثر من إيقاف الخدمة، وهناك من سيتعطل عن متابعة تنفيذ أعماله، وهناك من يتواصل مع أبنائه في الخارج أو العكس، وهناك زوار يأتون من كل العالم للإمارات والسعودية ويستخدمون الجهاز، فالقضية ليست فقط الشق الأخلاقي كما يردد البعض.

المحير أنه منذ اندلاع أزمة «البلاك بيري»، لم نجد معلومة مهمة تعبر عن الموقف الإماراتي أو السعودي، عدا عن التصريح المنسوب للسفير الإماراتي في واشنطن، الذي يقول إن بلاده تريد من الشركة المصنعة معاملة مماثلة لما تحصل عليه أميركا، لكن ما هي المعاملة، وما الذي يترتب عليها، بالطبع لا نعلم!

وعليه، فعلى المعنيين في أبوظبي والرياض أن يشرحوا للرأي العام بشكل مقبول ومعقول حقيقة ما يجري، ويتعاملوا مع الموضوع بعقلية إدارة الأزمة، خصوصاً أنهم يتعاطون مع خدمة تمس قرابة المليون والمائتي ألف مستخدم على أراضيهم، ومن فئات ومصالح متفاوتة. على الأقل اشرحوا للناس لماذا «البلاك بيري» خطر على أمنهم وليس خطراً على باقي دول العالم؟ وهل الشركة الكندية تعامل الغرب عكس ما تعاملنا؟ وكيف؟ حينها ستجدون تفهماً من الناس، وإدراكاً لعواقب الأمر.

[email protected]