حصاد الأسبوع.. أقوال وأفعال

TT

يبتعد عنا السلام، ليس بقدر ما نريد للحرب أن تقترب، بل لعجزنا عن رؤية الطريق لصنع السلام، أو لمجرد الخوف من استحقاقاته، والسلام لا يحدث من تلقاء نفسه مثل النباتات البرية، بل تصل إليه الأطراف المتصارعة، عبر مجهودات شاقة. كما أن الحرب لا تنزل فجأة على البشر من السماء كالصواعق الحارقة، ولا تتفجر مقبلة من تحت الأرض كالزلازل والبراكين، بل هي منتج بشري الهدف منه بالتعريف هو «تدمير قوات العدو ومعداته لفرض شروط السلام عليه».

هكذا، مسترشدين بتجارب البشر عبر التاريخ، يكون الوصول إلى السلام عبر طريقين ومنهجين في التفكير، التفاوض المباشر، أو الحرب. وفي الحالين، سواء كنت تجلس إلى طاولة التفاوض محتميا برغبتك الحقيقية في السلام، أو تقف في ميدان القتال وسط غبار المعركة، فأنت تفكر في هدفك البعيد، وهو الوصول إلى السلام. من هنا تكتسب عملية التفاوض شرعيتها الدينية والحياتية والقانونية والسياسية، لأنها تهدف إلى الوصول للهدف ذاته من الحرب، وهو السلام بغير إهدار لحياة البشر والقضاء على حاضرهم ومستقبلهم.

لذلك يكون توجيه الاتهام إلى قرار الدول العربية بالسماح للسلطة الشرعية الفلسطينية بالتفاوض المباشر مع الحكومة الإسرائيلية بأنه منعدم الشرعية، اتهاما باطلا. بل ربما كان الباطل بعينه. إنه أشبه باتهام الشرع نفسه بأنه ليس شرعيا، وهو نوع من الاتهامات الشهيرة في منطقتنا التي لا تتورع عن توظيف الدين في خدمة السياسة، وخاصة مدرسة سياسية بعينها، وهي تلك المدرسة الثورية التي لا تعترف بحق البشر في حياة كريمة يتمتعون فيها بممارسة حقوقهم في الحياة، تلك الحقوق التي اكتسبوها حتى وهم لا يزالون أجنة في أرحام أمهاتهم.

وأنا أريد - وربما أنت أيضا - أن أستعيد الجولان لسورية، لأنها أرض عربية محتلة منذ عام 1967، وأرى - وربما ترى معي - أن الطريق لذلك هو التفاوض المباشر مع الحكومة الإسرائيلية. ولست أتصور نفسي واهما في ذلك، فأنا على يقين من أن التفاوض المباشر من أجل استعادة الجولان، والوصول إلى السلام ليس وهما. التفاوض ليس وهما، كما أن استعادة الجولان أيضا ليست وهما. كما أتصور أن اللجوء لطريق آخر بفرض وجوده، هو أكثر وهما من الوهم.

في منتصف التسعينات كان هناك وهم شائع في إسرائيل يروج له اليمين الإسرائيلي، وهو أنه من الممكن الوصول إلى سلام بغير التخلي عن الجولان، فكان رد إسحاق رابين عليهم هو: «يخدعكم من يقول إنه يمكن الوصول إلى سلام بغير الانسحاب من الجولان»، وقُتل رابين لأنه أراد محاربة الوهم بسلاح الواقع، قتله شاب متطرف لا يريد السلام، ويراه وهما، ويريد أن يتحول إلى قاتل شهير، من أجل الاستمتاع بوهمه، وهو ما يفعله المتطرف الجاهل في أي مكان.

لا بد أنك لاحظت أنني أناقش تصريحات قيلت الأسبوع الماضي، وهذا صحيح، كلمات كثيرة من أطراف كثيرة تطايرت الأسبوع الماضي، وكلها كانت تصب في خانة الحرب، بالإضافة بالطبع لبعض الأحداث المتفرقة التي تصلح نظريا أو دراميا مقدمة لنشوب حرب تشمل المنطقة كلها، وآخرها ذلك الاشتباك المحدود على الحدود اللبنانية الإسرائيلية، الذي سقط فيه قتلى وجرحى من الجانبين. ربما أريد لهذا الحادث أن يتسع، وأن يكون سببا في المزيد من الحرائق على مستوى المنطقة، غير أن الجيوش المحترفة حتى مع استحكام العداء، ما زالت، لحسن الحظ، قادرة على احتواء أي موقف مفاجئ لم يتم التخطيط له مسبقا، وخاصة أن إسرائيل تتهم ضابطا بعينه بالتسبب فيما حدث، وتزعم أنه عضو في حزب الله.

كل عمليات إلقاء الصواريخ على مدن في إسرائيل ومدينة العقبة في الأردن، كانت ردا على قرار الجامعة العربية بالسماح بالتفاوض المباشر، التي ردت عليها إسرائيل بالعودة إلى قصف مواقع في غزة، ترتب عليها استشهاد مسؤول أمني كبير. بالطبع حماس بريئة من هذه العمليات، غير أن إسرائيل اعتبرتها مسؤولة عن كل ما يحدث في أرض القطاع، لذلك قامت بضربتها الانتقامية.

ثم سقطت الصواريخ على ميناء إيلات، وعلى مدينة العقبة، وذلك بهدف جر رجل مصر إلى المستنقع، باعتبار أن هذه الصواريخ أطلقت من سيناء. بالطبع استبعدت أجهزة الأمن المصرية في البداية أن تكون سيناء هي مصدر هذه الصواريخ، ومن الواضح أنها بعد ذلك بأيام قليلة كشفت عن معلومات جديدة تنفي تصريحاتها الأولى. أن تكون سيناء مصدرا لهذه الصواريخ لا يجب أن يشعر المسؤول الأمني في مصر بالتقصير، فلا يوجد على الأرض في ظروف المنطقة السياسية وظروف سيناء الجغرافية ما يسمى منتهى الأمان (fair safety)، ربما يوجد ذلك فقط في المفاعلات الذرية.

لا بد من الاعتراف بأن المتطرف الثوري في وجود ممول قوي، يتمتع عادة بدرجة عالية من الخبث والقدرة على الإخفاء والتمويه، مما يجعله قادرا على اختراق أي موقع، واستخدامه كمنصة إطلاق للصواريخ محدودة المدى.

أنتقل الآن لتصريحات الجنرال، مالك مولن، رئيس أركان الجيوش الأميركية، التي قال فيها: «إن خطة الهجوم الأميركية على إيران جاهزة، إذا امتلكت طهران السلاح الذري». لا جديد فيما قاله الجنرال.. ألا يذهب العسكريون إلى مكاتبهم، ليعدوا ويحدّثوا في كل يوم خططهم العسكرية لمواجهة كل الاحتمالات؟

لقد قال إن خيار الحرب موجود على الطاولة، وهذا أمر طبيعي، كل جيوش العالم وفي كل الأوقات لديها خيار الحرب على الطاولة، المهم هو العمل السياسي الدائم، وبلا تعب، على إبعاد هذا الخيار عن خانة تسمى «الاختيار الوحيد»، إنه الاختيار المشؤوم الذي يحدث عادة في التاريخ عندما تفشل السياسة، وتصل إلى طريق مسدود، ولذلك كان كيسنجر، وزير خارجية أميركا الأسبق يقول: «على الحوار أن يستمر.. عندما يتوقف الحوار، يبدأ القتال». وكانت إيران هذه المرة أكثر وضوحا في كلماتها، فقد رد القائد العام المساعد للحرس الثوري الإيراني للشؤون السياسية، العميد يد الله جواني، على تصريحات الجنرال الأميركي، بأكثر الكلمات صراحة ووضوحا: «لو قام الأميركيون بأي مغامرة، فإن أمن المنطقة سيتعرض للخطر.. أمن الخليج للجميع أو ليس لأحد». أعتقد أنها المرة الأولى التي يهدد فيها مسؤول إيراني دول الخليج علنا، هو يقول بوضوح: دول الخليج كلها رهينة عندنا في حال أي هجوم علينا.

لم يعد هناك حديث عن تهديد المصالح الأميركية والأوروبية، لقد اكتفوا هذه المرة بتهديد الجيران، لسبب واضح هو أنهم جيران. ترى هل خطة الجنرال مولن فيها بند خاص بإجهاض أي هجوم على الخليج قبل حدوثه بدقائق؟