علاقة أساسية مع الصين

TT

كانت إحدى النتائج الموفقة لغزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان هي إقامة علاقة عسكرية بين الصين والولايات المتحدة قبل 30 عاما. ونبعت هذه الخطوة من مخاوف متبادلة من التوسع الروسي، لأن أحدا لم يكن يتوقع في ذلك الحين أن أفغانستان ستكون سببا في تفكك القوة السوفياتية وأن الاتحاد السوفياتي نفسه سينهار جزئيا بسببها. ولم يكن من الواضح في ذلك الحين أن الصين ستبزغ في القرن المقبل باعتبارها منافسا محتملا للقوة الأميركية في المحيط الهادئ. بيد أن الجيوش لها القوانين الخاصة بها والطرق الخاصة بها في التفكير ومن الجيد دوما المحافظة على المحادثات بينها ليعرف كل منها الآخر.

وأوقفت الصين في الآونة الأخيرة هذه التبادلات بسبب مبيعات الأسلحة الأميركية إلى تايوان، وهي المبيعات التي تتم وفقا للقانون الأميركي. وعندما سأل وزير الدفاع روبرت غيتس إذا ما كان يستطيع زيارة بكين كجزء من جولة شملت خمس دول في وقت سابق العام الحالي، قوبل طلبه بالرفض.

وقد بدأت هذه التبادلات أثناء إدارة كارتر، بعد وقت قصير من الغزو السوفياتي، عندما زار وزير الدفاع آنذاك هارولد براون بكين.

وكتب نيكولاس بلات في مذكراته «فتيان الصين»، قائلا: «مثلت زيارة براون بداية حذرة للعلاقات الرسمية بين المؤسستين العسكريتين، التي كانت وجهة النظر الأحدث عن بعضهم البعض عبر فوهة البندقية في شبه الجزيرة الكورية قبل 27 عاما».

وكتب بلات، وهو ضابط متقاعد بوزارة الخارجية وعمل بوزارة الدفاع ورافق براون، أن الصينيين لم يتمكنوا من أن يعتادوا على وجود خط ساخن في البنتاغون بينهم. ولم يفكروا في إنشاء هذا الخط حتى عام 2008.

وكان معظم الجنرالات والأدميرالات الذين التقاهم براون في العقد الثامن من عمرهم أو أكبر، حيث لم يكن التقاعد أمرا واردا في هذه الأيام. وذكر بلات: «لم يكن أيضا السقوط من وضع المناصب العليا إلى الجلوس في القرية من دون عمل أمرا واردا». وفي ذلك الوقت، لم يكن لدى الصينيين أي من أنظمة الدعم للتقاعد التي يحظى بها الجنود القدامى في أميركا.

وأعقب وفد عسكري صيني زيارة براون بزيارة إلى واشنطن، وزار منشآت عسكرية في إنديانا وكولورادو وكاليفورنيا وهاواي. وبحث الجانب الأميركي عن «طرق لتحسين قدرة الدفاع لدى الصين من دون تهديد الآخرين»، وفقا لما ذكره بلات.

وكان أحد الأشياء التي أرادتها الصين في الحقيقة هو المساعدة في تطوير مقاتلات متقدمة - خاصة أنظمة رادار متقدمة وأنظمة إلكترونية وأنظمة إرشاد - بحيث تستطيع طائراتها مواكبة الطائرة «ميغ 23» السوفياتية، والتي حصل عليها الفيتناميون. وفي هذه الأيام، شعرت الصين بالانزعاج إلى حد ما من غزو الفيتناميين لكمبوديا، وفي غزو قصير وشديد لتلقين فيتنام درسا، مُني الصينيون بالهزيمة.

ولم يكن الأميركيون مستعدين للتعاون مع الصينيين عند هذا المستوى، لكن العلاقة تطورت برغم خيبة الأمل المبكرة تلك. وتوسعت فيما بعد وازدهرت في ظل وزير الدفاع ويليام باري في إدارة الرئيس الأسبق بيل كلينتون.

وكان هناك ضغوط وتوترات في علاقة أميركا مع الصين منذ ذلك الحين، والمؤسف هو أن الشيء الأول الذي تم تقليصه عندما كان بيننا خلاف هو التبادلات العسكرية. أوقفت الولايات المتحدة هذه التبادلات بعد قمع مظاهرات تيان آن من، وتبعتها في ذلك الصين عقب مبيعات الأسلحة الأخيرة لتايوان.

وتساءل الكثير من المراقبين لشؤون الصين حول السبب في أن إدارة أوباما دخلت في مثل هذه العداوة بعد لقاء الرئيس مع الدالاي لاما وبيع الأسلحة إلى تايوان. وقبل كل شيء، يلتقي الرؤساء الأميركيون في الغالب الدالاي لاما، وكانت مبيعات الأسلحة إلى تايوان أمرا منتظما منذ أن أوصى بذلك الكونغرس عام 1979، قبل زيارة هارولد براون.

ويعتقد نيكولاس بلات، الذي يزور الصين مرات عديدة كل عام كمواطن عادي ويحظى بالاحترام هناك، أن هذه الضجة الكبيرة والاستخفاف بغيتس يرجعان إلى ما يعتبره الصينيون علاقة متغيرة بين الدولتين. وشهدت الأعوام الثمانية الماضية ضعف القوة الأميركية ونظر الصينيون إلى ذلك بتعجب وكأننا نحن الأميركيين دمرنا أنفسنا على ما يبدو بحربين في البر الرئيسي لآسيا وما بدا للكثيرين وكأنه فشل النموذج الاقتصادي الأميركي في الكساد الكبير الحالي. وما كان مقبولا للصينيين من قبل لم يعد مقبولا الآن. وتعد العلاقة اليوم غير متكافئة بدرجة أقل مما كانت عليه عندما كانت الصين تحاول اللحاق بالجيش الفيتنامي وتسعى للحصول على أنظمة رادار.

يجب على الصين والولايات المتحدة إدراك القيمة الجوهرية في التبادلات العسكرية التي ستصبح أكثر أهمية خلال الأعوام المقبلة. ويجب ألا تكون هذه التبادلات هي أول ما يتم الاستغناء عنه في كل مرة تريد الدولتان إظهار حالة الاستياء.

* خدمة «نيويورك تايمز»