الرباعيات الوحيدة: الخيام!

TT

لست أدري إن كنت في طبيعتي متفائلا أم متشائما. إذ لكثرة ما تفاءلت وما أجبرت على التشاؤم، لم يعد في إمكاني أن أتذكر كيف كان طبعي في الأساس. ولم أكن مرة «متشائلا»، وهو المصطلح الذي أشاعه الراحل أميل حبيبي، على اعتباره خفة ظل. ولم يكن كذلك، حتى قبل أن يتناقله الناقلون إلى درجة مملة. وفي أي حال فإن لم أكن متفائلا بسبب من طبعي، فمن تراكمات لم أعد أطيق سماعها. فالعرب مأخوذون الآن بشيء يدعى «الرباعية»، ولست أعرف ما هو على وجه الضبط، ولا يهمني أن أعرف. والسبب أن أول «رباعية» أذكرها مضى عليها الآن 43 عاما. إذ فور وقوع ما وقع عام 1967، تنادت الدول الأربع الكبرى (يومها) لكي تدرس حلا «للقضية». ومنذ ذلك التاريخ تتالت الرباعيات والسداسيات والسباعيات والجهابذة المنفردون. لذلك حُق لي بعد أربعة عقود ويزيد أن أصدق رباعية واحدة هي رباعيات عمر الخيام. وعدا ذلك فلن يضحك أحد علي. وآخر مرة خدعت فيها، مع سائر السذج، كانت عام 2002 عندما طلع جورج بوش على العالم ببدعة ثقيلة أخرى سماها «خارطة الطريق».

وكانت «الخارطة» وطريقها برعاية «الرباعية الدولية». وقد وعدنا صاحب «الخارطة» بتسوية نهائية للنزاع الفلسطيني - الإسرائيلي بحلول 2005، تؤدي إلى قيام دولة فلسطينية مستقلة وطبعا ديمقراطية. وإلى آخره إلى آخره. ودخل الطريق وخارطته في التفاصيل، ومنها أنه لن يكون مستوطنون يهود في الدولة العتيدة. وطبعا لا حق عودة، فالفلسطينيون يعودون فقط إلى الدولة الفلسطينية واليهود يعودون إلى الدولة اليهودية! نحن الآن في عام 2010 وعام 2011 على الأبواب وكل عام وأنتم بخير. لا مجال للمقارنة بين باراك أوباما وجورج بوش. لا في النوايا ولا في الصدق ولا في المقدرة على التمييز بين خريطة المكسيك وخريطة فلسطين. وقد أعطيت نفسي فرصة عامين أتفاءل فيهما بما سيفعله رئيس أميركي ليس قادما من التكساس بل من كل تلك الجذور الإنسانية التي لا يصدق أن صاحبها يمكن أن يبلغ البيت الأبيض. استندت إلى الاعتقاد بأن رجلا مثله لن يقبل بمثل هذا الظلم اللاحق بشعب مشرد ومضطهد بهذا القدر من التوحش الإسرائيلي والسفول الدولي، رباعيا أو خماسيا أو سباعيا. لكنني الآن أرى الطريق طويلا على الجميع. ومن الملامح بداية حركة توطين في لبنان، مخبأة كالعادة، تحت شعارات معاكسة.

يؤسف أن لا يكون لدى الصحافيين ما يكتبونه للناس سوى السخرية من الأمل. ولكننا سوف نترك التفاؤل للشبان الجدد الذين لم يمر بهم غولدا مئير وإسحق شامير ومناحم بيغن وأرييل شارون وشيمعون بيريس، ومقابل هؤلاء جميعا، بنيامين نتنياهو. وأنا معجب بطاقة الاحتمال لدى أصدقائي في السلطة. وعندما أسمعهم يتحدثون إلى العالم عن أشياء كالمفاوضات والرباعية وبقية التعابير، أسأل نفسي عن مدى علاقتهم بالحقيقة بعد كل هذا العمر من الأحلام.