«سابك» وتكريم غازي

TT

حسنا فعلت شركة الصناعات السعودية العملاقة «سابك»، في تكريم رائدها وفيلسوفها ومن أطلق عليها اسمها ووضع نظامها وترأس أول مجلس إدارة لها، غازي القصيبي.

«سابك» أكبر شركة صناعية غير بترولية في الشرق الأوسط، حسب كلام الشركة الرسمي في تعريفها الرسمي، نشرت أول من أمس إعلانا على صفحة كاملة في الصحف تقول فيه للفقيد الكبير: «نبادلك العطاء بالوفاء». وقال إعلان الشركة الموقع باسم رئيس مجلس إدارتها الأمير سعود بن عبد الله بن ثنيان آل سعود إن الشركة قررت بناء مسجد وإطلاق اسم غازي القصيبي عليه.

البادرة - من حيث المبدأ - لفتة حضارية، وموقف وفاء وتقدير لرجل يستحق الكثير، وبخاصة من شركة «سابك».

غير أن المنتظر من قادة الشركة الكبرى تجاه غازي كان شيئا آخر غير ذلك، فبناء مسجد ليس بالأمر الصعب ولا بالجديد والاستثنائي، كل يوم تبنى المساجد في السعودية وفي كل مكان في الخليج، والأرض كلها جعلت للمسلمين مسجدا وطهورا، وأعتقد أن بناء مسجد أمر قد تقوم به عائلة الفقيد نفسه.

«سابك» بالنسبة لغازي كانت «ابنته المفضلة»، حسب وصفه في كتابه «حياة في الإدارة». إعلان «سابك» اقتبس هذه العبارة من كتاب غازي، وفي بقية هذا الاقتباس يقول غازي عن «سابك»: «لم تعكس أي مؤسسة فلسفتي في الإدارة مثلما عكستها (سابك)، حتى الاسم كان من اختياري».

ما دام هذا المشروع يحتل هذه المكانة العقلية والنفسية الكبرى لدى الراحل، ويعكس فلسفته في الإدارة والتدريب والعمل، فكان من الأجدر بالشركة أن تطلق اسم غازي القصيبي على «أكاديمية للتدريب» مثلا، تدرب فيها «سابك» الشباب السعودي على أسس العمل الحديث وفق «فلسفة» «سابك» وغازي القصيبي. هذا أفضل تكريم للراحل، وأفضل تجسيد لما يمكن أن يكون غازي يريده من منفعة لهذه الشركة تجاه أبناء السعودية. أكاديمية التدريب مجرد اقتراح، ربما يوجد اقتراحات أخرى مشابهة، لكن كلها حتما جزء أصيل من العمل الخيري الدائم، الذي ليس بالضرورة أن يكون توزيع أكياس رز أو بناء مسجد فقط، فهذه وتلك أعمال خير، مطلوب فقط توسيع النظر في فهم معنى الخير.. نحن لدينا مشكلة واضحة في «مفهوم» العمل الخيري، وكأن الخير كله محصور في صورة أو صورتين، الخير لا حدود له.

مثال غازي القصيبي ليس إلا مثالا واحدا، بحكم المناسبة والتوقيت، وإلا فإن كثيرا من الذين قدموا خدمات وطنية كبرى لم يحظوا بما يناسبهم من صور التكريم والوفاء المناسبة لطبيعة أعمالهم؛ الفنان في مجاله، والأديب والسياسي والتربوي ورجل الخير وسيدات العمل الاجتماعي.. وهكذا.

وبالمناسبة في هذا الشهر، أغسطس (آب)، مرت في الـ11 منه الذكرى العاشرة لوفاة رمز كبير من رموز الفن السعودي وهو طلال مداح. سقط وهو على المسرح في أبها يوم 11 أغسطس 2000... للتذكير فقط!

هذه الملاحظة لا تنفي الإشادة ببادرة «سابك» لغازي، ولكن تعني أن أزمة مفهوم العمل الخيري وصلت حتى إلى ثقافة «سابك» الحديثة!