تصحيح مصطلحات

TT

في البداية أكرر توسلاتي إلى حضرات الجميع بعدم الخلط بين مصطلح «الحجاب» و«الخمار»؛ فالسائد الذي تلتزم به المرأة المسلمة الآن هو «الخمار» وليس «الحجاب»، تنفيذا للأمر القرآني الواضح في سورة النور آية رقم 31: بسم الله الرحمن الرحيم «وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فَرُوجَهُنَّ وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ..». إلى نهاية الآية الكريمة. وسورة النور تبدأ: «سُورِةٌ أَنزَلْنَاهَا وَفَرَضْنَاهَا وَأَنزَلْنَا فِيهَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ لَّعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ»، صدق الله العظيم. أما ما ورد عن «الحجاب» وهو في الآية رقم 53 من سورة الأحزاب فخاص بزوجات الرسول أمهات المؤمنين: «..وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلاَ أَن تَنكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِندَ اللَّهِ عَظِيمًا».

وبناء على هذا الفرق بين «الخمار» و«الحجاب»، قال العلماء إن «الحجاب» ليس مفروضا على المرأة المسلمة، لكنه خاص بزوجات الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو يعني الإسدال الكامل من الرأس حتى القدم وإخفاء الوجه. لذلك نرجو عدم الخلط، حتى لا تقع المغالطة، التي تشيع حاليا، فنطلق على من تظهر الوجه والكفين وتكتفي بغطاء الشعر أنها «محجبة» وهي في الحقيقة «مختمرة»، فتجد الأصوات الجاهلة أو المغرضة فرصتها لتعبث عبثها المؤذي للحق.

ومن ثمّ دعوني أكرر لمن هو جاد في البحث عن الحق:

«الحجاب»، الذي هو غطاء للوجه مع سائر البدن، يقول أغلب العلماء، ومنهم الإمام محمد عبده، إنه فرض على زوجات الرسول الكريم، ونافلة تطوع لمن تحب وتختار الاقتداء بهن، ومن تخلعه غير آثمة لأنه ليس «فرضا» عليها؛ إذ إن المفروض عليها شرعا هو «الخمار»، وهو ملزم للمسلمة المؤمنة بنص الآية رقم 31 من سورة النور، فالتخلي عنه معصية وإثم، ولا مجال فيه «للاختيار» وفقا للآية الكريمة رقم 36 من سورة الأحزاب: «وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلاَ مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُّبِينًا». وعلى المسلم الذي تضيق به السبل ويرغم في بلد ما على عصيان عقيدته، أن يذهب إلى مكان آخر يمارس فيه حريته الدينية الكاملة، اتباعا للآية الكريمة رقم 97 من سورة النساء: «إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ المَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُوْلَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا». وإذا كان هناك احتجاج بمصالح مادية، فهناك وعد الله سبحانه وتعالى في الآية 28 من سورة التوبة: «..وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ إِن شَاءَ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ».

وأنا لا أدري ما الضرر الناتج عن حقيقة أن غطاء الشعر كان موجودا منذ قديم الزمان ومطلوبا أو مفروضا في عقائد أخرى؟ إن الإسلام يأمر بالصلاة والصيام والزكاة، وكلها كانت مفروضة في عقائد سابقة، ويحرم الزنا والسرقة والقتل والكذب وشهادة الزور وأشياء أخرى كثيرة اشترك في تحريمها مع اليهودية والمسيحية، فما الضرر في ذلك؟ وما المنطق في رفض فريضة أمر بها الإسلام لمجرد أنها وردت في اليهودية والمسيحية أو عقائد أخرى؟ نحن نفهم شريعتنا من مصادرها الصحيحة وعلمائها الموثوق بعلمهم.

بقي أن أنوّه بخطأين سائدين في ساحات مناقشة «الحجاب» و«الخمار (غطاء الشعر)»، وهما:

أولا: غير صحيح القول بأن المرأة المصرية واجهت الاحتلال البريطاني بخلع زيها الإسلامي؛ فالثابت تاريخيا بالصورة الموثقة، خروج الفتيات المصريات في مظاهرة في الثورة الوطنية سنة 1919 وهن يلبسن «الحبرة» بغطاء على الرأس وثوب طويل وبرقع أبيض يغطي الوجه. وسجل الشاعر حافظ إبراهيم هذا الأمر في قصيدته «مظاهرة النساء»، التي تم نشرها في منشورات وطنية، وتبدأ بقوله:

خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهن

فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهن

فطلعن مثل كواكب يسطعن في وسط الدّجن

حتى يصل في نهاية القصيدة إلى أن يهزأ بالشجاعة الخائبة لجنود الاحتلال الإنجليزي، الذين صوبوا البنادق والمدافع نحو المتظاهرات، فسقط منهن شهيدات

فليهنأ الجيش الفخور بنصره وبكسرهن

فكأنما الألمان قد لبسوا البراقع بينهن

وهذه القصيدة تؤكد خروج المصريات لابسات البراقع بـ«الحجاب»، بمصطلحه الأصلي، وليس فقط «الخمار» لمواجهة الاحتلال. والثابت أنه حتى قاسم أمين، لم يطالب في كتاباته إلا برفع «الحجاب»، وهو غطاء الوجه، وطالب بـ«السفور»، وهو غطاء الشعر مع إظهار الوجه والكفين.

ثانيا: لا يجوز التوقف بعد القول «لا إكراه في الدين» من دون إكمال الآية الكريمة رقم 256 من سورة البقرة: «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الغَيِّ فَمَن يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ».

هناك «رشد» وهناك «غيّ»، والحرية هنا في الاختيار بين الحق والباطل، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر ويتحمل مسؤولية الاختيار. وعلى رأي المثل العامي المصري: «اللي يروح في داهية مايتوهش»!