زمن الحكماء

TT

بسبب أسفار كثيرة تعذر علي متابعة «وجهات نظر»، فلما عدت إلى بيروت وجدت الأعداد الماضية مكدسة في البريد. ووجدت في هذا البريد ماسة رأيت أن أشارككم فيها. إنها مقال لأحمد بهاء الدين صدر في «الأهرام» بتاريخ 16/11/1989م، أًعيد نشره خلال أزمة الكرة بين الجزائر ومصر:

غدا تقام في القاهرة مباراة لكرة القدم بين مصر والجزائر، وهي من المباريات التي يسميها نقاد وجمهور الكرة: «تاريخية» و«حاسمة»، وسائر العبارات التي تزيد من التوتر والتشنج بين الناس: إن الفريق الفائز فيها سيدخل نهائي بطولة كأس العالم!

وقد تذكرت أنني في أواخر السبعينات كنت في الكويت وقال لي الشيخ صباح الأحمد وزير الخارجية، وأنا أهنئه بفوز الكويت الصغيرة ببطولة آسيا، إنه سيطلب من مجلس الوزراء إلغاء هذه الدورة في السنوات المقبلة! لماذا؟ لأن ما تبنيه السياسة والدبلوماسية خلال سنوات في مجال العلاقات الحسنة مع الإخوة والجيران والدول الصديقة، يفسده جمهور الكرة في ليلة واحدة! وكان هذا صحيحا إلى حد كبير؛ إذ غضبت شعوب في آسيا لأن الكويت الصغيرة فازت بالكأس! وأن شعب الكويت عبر عن فرحته الطبيعية «أكثر من اللازم».

والحكومات بالطبع أعقل من جمهور الكرة في كل البلاد.. أو أعقل من «متهوسي الكرة» التي جعلت حكومة كإنجلترا تمنع سفر المشجعين لنواديهم وبلادهم إلى أوروبا وتمنع فريقها القومي من مباريات كأس أوروبا. ولا نريد أن نرى شيئا من هذا في مباراة الغد بين منتخب الكرة الجزائري والمنتخب المصري!

ووسائل الإعلام؛ صحافة وإذاعة وتلفزيونا، لها دور كبير في هذا المجال! فالكلام بلغة السياسة ولهجة الوطنية والتفاخر القومي، غير جائز على الإطلاق. وبعض النقاد إذا انهزمنا يعظوننا بحكاية أن «الكرة مستديرة».. يوم لك ويوم عليك.. والروح الرياضية. أما إذا انتصرنا، فقد غزونا وفتحنا فتحا مبينا.. إلى آخره.

وما ينشر ويذاع قبل المباراة وأثناءها وبعدها، مهم جدا في تهذيب الجمهور، ورفع الروح الرياضية إلى حيث مكانها الصحيح، ولا يمكن أن تكون عزة بلد وكرامته وسمعته رهنا بمجهود أحد عشر لاعبا قد يحسنون أو يسيئون.

والرياضة أساسا خلقت ووجدت كوسيلة للارتقاء بعدد من غرائز الإنسان. والمباريات امتحان للاعبين والمعلقين وللجمهور على السواء.. وهذا ما نرجو أن نراه غدا، ونهتم به أكثر مما نهتم بالنتيجة قبل الرياضة، في الأسلوب والاجتهاد واحترام قواعد اللعبة قبل عدد الأهداف.