ليالي العيد تبان من عصاريها

TT

اعتاد الناس في مثل هذا اليوم من شهر رمضان أن ينشغلوا بالسؤال: «جابوه والا ما جابوه؟»، وهم يقصدون بذلك إن كان قد ثبت دخول العيد أم لا، وهم يرددون المثل «ليالي العيد تبان من عصاريها»، فتجد الناس ينتشرون في الأسواق، التي تتحول في هذه الليالي إلى مهرجانات فرح، تموسقها نداءات الباعة، ومدافع العيد، وصوت محمد عبده ينساب عبر الإذاعة:

«ومن العايدين

إن شا الله

ومن الفايزين

إن شا الله».

ولكل منا منظومة ذكرياته المرتبطة بالعيد، وأعذب تلك الذكريات ما ارتبط بطفولة المرء، يوم كان المرء بريئا كالعيد، وللعيد في ذاكرتي رائحة عطر الليمون، وطعم حلوى اللوزية، وبريق نقود «العيدية»، وألوان أثواب الصبايا، وأنغام «السمسمية»، وتجليات الموال، واهتزازات «المراجيح» في ميادين المدن العتيقة، واليوم تعج ذاكرة العيد بوجوه أحبابنا الذين رحلوا، والزمن الجميل الذي انسل من بين عيوننا كشعاع ضوء، فنشتاق إلى شموس غربت، ومراكب أبحرت عن موانئنا ولن تعود.

غدا أو بعد غد سيطرق العيد أبوابنا، وقد بعدت المسافة بين الناس، واختزل العيد في رسالة «موبايل» باردة مثلجة مكررة يتداولها الناس، تبدأ بـ«send»، وتنتهي بـ«delete»، وكأن العيد قطار شحن عابر لا يفرغ حمولته من الفرح في محطة انتظارنا، اليوم أو غدا العيد خبر تبثه نشرات الأنباء، وسط أخبار تفجيرات بغداد، وفيضانات باكستان، ونشاطات القرصنة على شواطئ الصومال، ومذيع النشرة بـ«غترته» البيضاء يواصل ابتساماته الموسمية، وينطلق صوت أم كلثوم رغم عثرات زماننا يغني:

«يا ليلة العيد أنستينا

وجددت الأمل فينا

يا ليلة العيد».

الليلة عيد، دثر أحزانك بأحزانك، وأقدم على رشوة العيد بالعطور والبخور، واجدل من فتائل صبرك ما تواجه به مرارة الزمن، مطلقا عنان صوتك خلف فيروز منشدا:

«هالعيد بدّي أقدم هدية

لا دهب لا ورد جورية

طالع ع بالي

أضم زهرة وقلب

واقدمن للعيد عيدية»

وفي كل الأحوال: ارسم على جدار القلب صورة زائر مستحيل، وقف خلف الباب في انتظاره.