أتاتورك.. مدني

TT

نسبة الإقبال على الاقتراع 77 في المائة.

نسبة المقترعين بـ«نعم» 58 في المائة.

بأي مقياس انتخابي كانت نتائج الاستفتاء التركي على التعديلات الدستورية تمثل نصرا مبينا لرئيس حزب العدالة والتنمية الإسلامي، رجب طيب أردوغان، إن لم يكن مؤشرا مسبقا لفرص فوزه في الانتخابات النيابية المقبلة في يوليو (تموز) 2011.

لكن، وإن يكن استفتاء الأحد الماضي قد «ناء» بكثرة المواد الدستورية المطروحة على الناخب التركي (26 مادة)، فكثرتها لم تخفِ أن «الهم» الدستوري لحزب العدالة والتنمية، الإسلامي التوجه، انحصر في شأن واحد: تعزيز رقابة الحكومة المدنية على السلطتين القضائية والعسكرية - معقلي العلمانية الكمالية (نسبة إلى كمال أتاتورك) منذ تسعة عقود.

ميزة الدعم «الاستفتائي» لتعديلات أردوغان الدستورية تكمن في تحويلها إلى رسالتين واضحتين: أولاهما موجهة إلى المؤسسة العسكرية - بحيث بات من الصعب توقع تخطيطها بعد الاستفتاء لانقلاب عسكري. وثانيتهما إلى السلطة القضائية – بحيث أصبح حظر الأحزاب السياسية (كما درجت العادة في السابق) إجراء «غير شعبي»، إلا أن التعديل الأجرأ، على هذا الصعيد، كان استحداث آلية للتوجه مباشرة إلى المحكمة الدستورية «مما يشكل أداة طعن داخلية ضد انتهاكات حقوق الإنسان»، كما قال المجلس الأوروبي في بيانه الترحيبي بنتيجة الاستفتاء التركي.

لكن، إذا قُيّمت التعديلات الدستورية على خلفية الهيمنة العسكرية على المؤسستين السياسية والقضائية في تركيا منذ عهد كمال أتاتورك، يعتبر ما أنجزه أردوغان مجرد «حركة تصحيحية» توخى منها إعادة التوازن إلى الخلل القائم في تركيبة الحكم بين السلطة السياسية من جهة والسلطتين العسكرية والقضائية من جهة أخرى.

على هذا الصعيد، قد يصح وصف أردوغان بـ«كمال أتاتورك مدني»، على اعتبار أن الاستفتاء عزز مبدأ فصل السلطات أكثر بكثير مما عزز التوجه الإسلامي في تركيا.

هذا من حيث المبدأ.. أما من حيث التطبيق، فلا يزال احتمال بروز خلل جديد في توازن السلطات التركية قائما بحكم الصلاحيات الواسعة التي منحتها التعديلات الدستورية لكل من البرلمان ورئيس الجمهورية لجهة تعيين قضاة المحكمة الدستورية واختيار أعضاء الجهاز المولج مراقبة السلطة القضائية.

من المبكر القول بأن تركيا انتقلت من حالة خلل - لصالح المؤسسة العسكرية - إلى حالة خلل لصالح المؤسسة المدنية، رغم كل ما تتمتع به حكومة أردوغان من صلاحيات تنفيذية واسعة.

في نهاية المطاف، يبقى «الواقع التركي» العامل الأكثر ضغوطا على لعبة الضوابط والتوازنات في السلطة. وغير خافٍ أن تركيا، رغم ما توحي به من وحدة ديموغرافية وحتى دينية، دولة متعددة الأعراق والمذاهب.

على الصعيد «العرقي» – إن صح التعبير - لا يشكل الأتراك أكثر من ثلثي السكان بينما يشكل الأكراد نحو ثلاثين في المائة.

وكذلك على الصعيد المذهبي، فرغم أن الغالبية الساحقة من الأتراك تدين بالإسلام – حسب الإحصاءات الرسمية – فمن المعتقد أن 15 في المائة منهم شيعة علويون. وهؤلاء كانوا بشكل دائم الدعامة الانتخابية للتيارات والأحزاب العلمانية، لا لسبب إلا.. لقطع الطريق على وصول الأحزاب الإسلامية السنية إلى السلطة.

هذا التنوع ضمن الوحدة الجغرافية التركية يجعل احتمال تحول تركيا إلى دولة أوتوقراطية طورانية أصولية - على غرار النموذج الفارسي – مستبعدا.. إن لم يكن حفاظا على وحدة تركيا الجغرافية، فعلى الأقل احتراما لطموح حزب العدالة والتنمية إلى عضوية كاملة في الاتحاد الأوروبي.