عمليات التجميل

TT

لم يحظ حيوان عبر التاريخ برفقة واهتمام الإنسان أكثر من الكلب، إلى درجة أنهم أطلقوا عليه صفة (الصديق الوفي)، وهذا صحيح إلى حد كبير، فقد لاحظت أن له نفس الأهمية عند المتحضرين والبدائيين من الشعوب على حد سواء.

ورغم أن الإسلام قد نهى عن دخول الكلاب إلى المنازل، فإنه غض الطرف عن اقتنائها من أجل الصيد والحراسة وما شابه ذلك، فالبدوي في صحارى الله الواسعة لا يستطيع أن يستغني عن كلبه، مثله تماما مثل السيدة الفرنسية العجوز الوحيدة التي لا يمكن أن تستغني أو تفرط في كلبها في شقتها الضيقة حيث يؤنس وحدتها في ليالي الشتاء الباردة، وهي تفضله حتى عن الزوج، لو كان لها زوج. وقد بالغ الأوروبيون على وجه الخصوص في تدليل الكلاب إلى حد كبير، إلى درجة أن بعضهم قد أوصوا بإرثهم أو بجزء منه لكلابهم، بعد أن يموتوا، والأمثال في هذا الصدد كثيرة.

وعلى هذا الأساس أنشأوا كثيرا من الفنادق لترفيهها، وكثيرا من المستشفيات لعلاجها، وكثيرا من المطاعم لتوفير الوجبات اللائقة بها، بل إنهم استصدروا وثيقة اسمها (وثيقة حماية الكلاب)، على غرار وثيقة (حقوق الإنسان)، وتلك الوثيقة قد تعرّض من يهمل في توفير الرعاية اللازمة لكلبه للمساءلة والمحاسبة وقد تقوده للسجن والتشهير.

وفي مدينة شتوتغارت بألمانيا يوجد فندق للكلاب لا أحسن ولا أحلى، وددت أنا شخصيا لو أنهم سمحوا لي بسكناه، وأروع منه الفندق الذي أقيم في متنزه صوفيا بالقرب من مدينة نيس الفرنسية، حيث ان غرف الكلاب فيه مدفأة بأشعة الشمس بحيث لا تزيد أو تنقص درجة الحرارة فيها صيفا ولا شتاء عن 15 درجة مئوية.

وذهب أنصار الكلاب إلى فتح المدارس لتدريبها، وفتح صالونات الحلاقة والتجميل للعناية بها وترجيل شعرها وقص مخالبها وتلوينها حتى (بالمونيكير) أسوة بالنساء، بل إنني شاهدت كلبة رسموا ونقشوا على فخذها الأيمن قلبا يخترقه سهم بـ(tattoo).

إنه عالم عجيب ومثير، وقد تابعت بشغف قبل أسابيع مسابقة لملكة جمال الكلاب كانت منقولة في التلفزيون على الهواء مباشرة، وقد فازت في تلك المسابقة كلبة لامرأة بريطانية، والحق يقال إن تلك الكلبة تستحق الفوز بجدارة، خصوصا أن لها خصرا لا يقل فتنة عن خصر أي (مانيكان)، ولها غرة منسدلة على جبينها تأخذ العقل، ولها ذيل - آه من الذيل آه - إنه يسلب اللب كلما اهتز يمينا أو شمالا. غير أن فرحة صاحبتها لم تكتمل؛ حيث ان بعض المحتجين قد طعنوا في ذلك الفوز، مؤكدين أن تلك الكلبة قد تعرضت لعمليات تجميل، وأثبتوا ذلك الدليل بالصوت والصورة، وفعلا سحبوا لقب (ملكة الجمال) منها، ولا تتصورون ساعتها مدى حزني وإحباطي عندما أعلنوا ذلك.

وأكثر ما قطّع نياط قلبي هو منظر صاحبتها عندما كانت تصرخ وتبكي من هذا الظلم الذي اقترفته لجنة التحكيم بحق كلبتها العزيزة، وأجرت وسائل الإعلام مقابلة معها، وقالت هي وسط دموعها الغزيرة ما معناه: «إيه الفرق بين المرأة والكلبة؟! كلهن على حد سواء، تخضع آلاف النساء لعمليات التجميل، فماذا يمنع أن تخضع الكلبات أيضا لذلك؟!». واعترفت أن كلبتها قد خضعت لعدة عمليات تجميل، منها شد الوجه وتقويم الأسنان وتعديل الذيل وزرع الشعر، وقد كلفتها تلك العمليات أكثر من خمسة وعشرين ألف جنيه إسترليني.

هل تصدقون أنني بعد أن استمعت لتلك الكلمات المعبرة من تلك المرأة المكلومة، ازداد تعاطفي معها ومع كلبتها الجميلة، ووددت - لو كان لي من الأمر شيء - أن أمسح على رأس تلك المرأة وعلى رأس كلبتها، ثم أذهب وأغسل يدي.

صحيح ما هو الفرق بين أن تخضع امرأة لعمليات التجميل، وبين أن تخضع كلبة؟! أعتقد أنه لا فرق.

[email protected]