أخطاء القياديين لا تغتفر

TT

لم يتوقع الرئيس الفلبيني المسكين أن ابتسامته «العفوية» سوف تثير حفيظة الرأي العام عندما اصطادته عدسات التلفزيون وهو يبتسم من دون قصد أثناء تفقده لحافلة سياحية اختطفها ضابط شرطة مفصول - لمدة 11 ساعة - ثم انتهت بمحاولة إنقاذ فاشلة لتحرير كل رهائنها الذين لقي 8 منهم حتفهم مع الخاطف نفسه.

الرئيس الفلبيني بينينيو أكينو لم يكن يقصد أن يبتسم وهو يتفقد الحافلة المثقبة بالرصاص في حديقة عامة في مانيلا، غير أنه لسوء الحظ وقع في الخطأ نفسه مرة أخرى عندما لاحظه الصحافيون يبتسم مرتين في المؤتمر الصحافي فاضطر إلى المسارعة بالاعتذار حيث قال: «ربما أسيء فهم ابتسامتي وإذا كنت قد أسأت إلى مشاعر أناس بعينهم فإنني أعتذر لهم. ومن الواضح أنه ليس هناك أي متعة في موقف كهذا». هذا الموقف يؤكد أن ردود أفعالك كمسؤول رفيع، وإن كانت بحسن نية، قد يستقبلها الآخرون أو الإعلاميون بردود أفعال سلبية.

ولم يكن الرئيس الفلبيني وحده ضحية أعين الإعلام وعامة الناس، فقد سبقه رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون، لارتكاب خطأ آخر وذلك عندما كان يقوم بجولة انتخابية في مانشستر وفي أثناء لقاءاته مع الجمهور جاءته سيدة، واشتبكت معه في نقاش ساخن أمام كاميرات التلفزيون حيث تذمرت من المهاجرين القادمين من أوروبا الشرقية إلى بريطانيا لأنهم يأخذون فرص العمل من الشعب الإنجليزي. رد عليها الرئيس بدبلوماسيته المعهودة ومضى، ولما ركب سيارته نسي أن يغلق الميكروفون المعلق على بدلته فسمعت وسائل الإعلام تعنيفه لأحد مساعديه إذ قال له: «هذه مصيبة! من الذي اقترح أن ألتقي بهذه السيدة؟! إنها امرأة متعصبة» (مقال علاء الأسواني نشر في صحيفة «الشروق»)، ولسوء حظه انتشر الخبر بعد دقائق في بريطانيا (قبيل موعد الانتخابات) فحاول الرئيس عبثا «لملمة» الموضوع بذهابه إلى بيتها لتقديم بالغ اعتذاره، ثم قبلت اعتذاره على مضض لكنها رفضت الخروج معه للتحدث إلى الإعلاميين المتجمهرين أمام منزلها. ثم ظهر براون في التلفزيون مع مذيع كان قاسيا عليه وأسمع براون تسجيلا لحديثه، فلام الرئيس نفسه وتعهد بألا يكرر فعلته هذه مستقبلا!

قصص أخطاء القياديين كثيرة ومنها ما رواه الراحل د. غازي القصيبي في كتابه الجديد الجميل «الوزير المرافق» حينما سأل، على استحياء، رئيسة وزراء الهند أنديرا غاندي عن القصة التي ذاع صيتها عن الزعيم الهندي مهاتما غاندي الذي كان «يصر على النوم وبجانبه فتاتان جميلتان عاريتان» فأكدت أن ذلك حدث فعلا عندما قرر أن يعتزل الجنس نهائيا ليثبت أن «بوسع المرء أن يقاوم النزعة الجنسية على الرغم من الإغراء الشديد.. لا شك في أنه كان تصرفا غريبا، فبإمكان المرء أن يعتزل الجنس من دون أن يحول هذا الموضوع الشخصي إلى قضية كبرى أمام الرأي العام» وفق قولها.

ومن منا لم يسمع أيضا عن فضيحة مبنى «ووتر غيت» التي كشف فيها صحافي مخضرم عن تجسس الرئيس الأميركي نيكسون على الحزب المنافس في هذا المبنى مما دفعه لاحقا إلى تقديم استقالته من تلقاء نفسه، بعد أن دوت أصداء الفضيحة السياسية، وتمت محاكمة نيكسون لكن الرئيس فورد عفا عنه. وكذلك الحال فضيحة الرئيس كلينتون مع المتدربة الحسناء في البيت الأبيض مونيكا لونيسكي الذي مارس معها فعلا مشينا في البيت الأبيض وانتهت بمحاكمته الشهيرة.

هذه الأخطاء يقع فيها كثير من الناس على مدار الساعة، ولكنها حينما تصدر عن قياديين فإنها تكون كبيرة وواضحة وتتناقلها الألسن ووسائل الإعلام ولذلك ينبغي على القياديين الحذر عند مواجهة العامة من الناس وخصوصا وسائل الإعلام التي تعشق البحث عن القصص الشائقة. كما يجدر بهم أيضا – وهذا هو الأهم - أن يحيطوا أنفسهم بكوكبة من المختصين في شتى الشؤون الإعلامية والدينية والاجتماعية والقانونية فضلا عن العاملين المحترفين في مجالات البروتوكولات السياسية (للدبلوماسيين)، بحسب أهمية ذلك لهم، حتى يلجأوا إليهم وقت الحاجة تفاديا لوقوعهم في خطأ قد يشوه صورتهم أمام الناس.

وكلما علا منصب القيادي زادت حاجته إلى المستشارين المحترفين لا إلى البطانة غير الصالحة التي لا هم لها سوى النفاق والحفاظ على كراسيها بكل السبل حتى ولو لطخت سمعة القيادي بالسوء. ولا بد أن يدرك القيادي أن الانتقاد يحميه ويطوره ولا ينتقص من قدره. هناك أخطاء كثيرة يمكن تفاديها بالاستشارة، غير أن هناك ما لا يمكن تفاديها لأنها ببساطة ضريبة العمل القيادي.. الباهظة الثمن أحيانا!

[email protected]