أبجد... هوّل!

TT

حديث عريض يتناوله السعوديون بدهشة وقلق وخوف عن «اختراق» لمناهج أولادهم الدراسية، مع بداية الموسم الدراسي الجديد، عن طريق لسان وصوت التطرف والتشدد. والمعركة ضد التطرف والتشدد تخوضها الدولة السعودية في كافة الأجهزة، وخصوصا في قطاع التعليم الذي كان لهذه الأصوات مكان عليٌّ فيه. والصدمة جاءت من أن أحد المعروفين بالتشدد والتطرف شارك في تأليف أحد الكتب الدينية، والرجل معروف بمواقفه وآرائه الغريبة، ولعل أشهرها مطالبته بهدم الحرم المكي الشريف وإعادة بنائه من جديد للفصل بين الناس فيه، والحقيقة أنني هنا أود المطالبة بإبقاء اسم الرجل على كتب الوزارة، وأطالب بإظهار فتاويه مع الفتاوى المجيدة الأخرى مع عينات تحريم الدراجة وتحريم الكبك والساعة وتحريم التلفاز والمذياع والبرقية والسيارة والطيارة والهاتف والسفر وتعلم اللغات والعلاج عند الأجنبي وارتداء النظارات والوصول للفضاء ودوران الأرض والبوكيمن، فهذه كلها جزء من تاريخ العلم الذي كان يقدَّم على أنه مقدس، والآن تُزال قشور وطبقات الهوى والنفس والأنا عن قائلها لتصبح مادة لوصف الجهل ليس أكثر، ولكنها في المقام الأول والأخير شهادة بحق الأمم وتقدمها ومسيرة التوسع في علمها وفتح باب الاجتهاد للخلف الصالح كما كان حقا للسلف الصالح، فبحسب الحديث النبوي على قائله أزكى صلاة وأتم تسليم «الخير في أمتي حتى قيام الساعة»، ولذلك أجد من الضروري أن يتم «تدريس» هذه الآراء للطلبة واعتبارها جزءا من تاريخ ومسيرة العلوم في هذه البلاد، والسعودية في هذه الحالة لن تكون متخلفة عن غيرها من الأمم والحضارات والشعوب التي كانت تحارب العلم والتسامح والوسطية بالتشدد والجهل. والكل يعلم قصة الفلكي غاليليو وحربه الضروس مع الكهنوت المسيحي ودفاعه عن علم دوران الكواكب والشمس حتى حكمت عليه الكنيسة بالإعدام، وتمضي الأيام ويثبت أنه كان على حق، وكذلك خوف المصريين من دخول الجهاز الغريب الذي بمجرد تحريكه باليد ينزل منه الماء، وهو الجهاز الذي جاء به نابليون وجيشه إلى مصر ولم يقترب منه أحد حتى أفتى الأزهر ومفتيه، الذي كان ولا يزال يتبع المذهب الحنفي، فسميت هذه الآلة «الحنفية!»، بعد أن أفتى بجوازها وصلاح استخدامها. الصدمة الاختراقية تتطلب تحقيقا إداريا داخليا بالوزارة، وخصوصا أن اسم الرجل أصبح أشهر من نار على علم في مواقفه المتشددة، وكيفية السماح له بالمشاركة في تأليف كتاب ديني، ولكن الصورة القاتمة والحزينة هذه يجب أن لا تغطي على أن هناك تطورا جيدا في المناهج الدراسية الأخرى وأن هناك جهدا أكاديميا ملحوظا في تحسين المادة والمحتوى لما يقدم للطلبة، وإن كانت هناك شكوى من أن المعلمين لم يتم الاستثمار الكافي في برامج تدريبية لرفع مستواهم حتى يكونوا بلياقة وجاهزية كافية لتقديم هذه المواد الجديدة، وكذلك هناك موقف آخر يستحق الإشادة به وتقديم التحية والاحترام والثناء لصاحبته، ففي مدينة بريدة السعودية تجمَّع عدد من أهالي منطقة القصيم أمام مكتب مدير تعليم البنات في المنطقة، عبد الله الركيان، للمطالبة بمنع معلمات إحدى المدارس الأهلية من التدريس للطلاب الذكور في المراحل الأولية، إلا أن مديرة المدرسة فاطمة الغفيص أظهرت موقفا شجاعا وكريما ومهما، بتأكيد أنها عازمة على الاستمرار في سياستها وتوجهها، على الرغم من أنها تلقت تهديدات وتحذيرات.

وأضافت مشددة على أن وزارة التربية تسمح وتقر بهذا النوع من التعليم، بمعنى أن هذا هو سياسة الدولة التي يتوجب احترام توجهها. وأضاف مدير تعليم البنات بالمنطقة أن المدرسة المعنية لم تخالف الأنظمة التي أكد أنها تسمح بتدريس المعلمات للبنين في الصفوف الدنيا، وأضيف أن الشرع لا يحرم ذلك أيضا وأن القرن الماضي عرف عن تدريس خمسين سيدة من أسر مكة المكرمة لحلقات علم في الحرم المكي الشريف، وأن السيدة نفيسة - رضوان الله عليها - كانت تعلم الإمام الشافعي ولقبت بنفيسة العلم، وأن السيدة عائشة - رضوان الله عليها - أُمرْنا بتلقي علوم الدين منها. الوقوف بحزم وأمانة وإيمان أمام ألسنة وأصوات الجهل واجب عام ودرء للفتنة وحماية للبلاد. وما قامت به السيدة فاطمة الغفيص يستحق التحية، أما الكتاب المخترق إياه فيستحق إصدارا جديدا، ولكن بمفهوم مختلف يتم إبراز فيه قيمة العلم على حساب مخاطر الجهل.

حفظ الله البلاد والعباد من شرور الجهل، ونعوذ بالله من علم لا ينفع.

[email protected]