اختبار لشخصية إسرائيل

TT

نيويورك. في مأدبة عشاء أقامها زعماء أميركيون يهود على شرف الرئيس الفلسطيني محمود عباس، كان دبلوماسي أميركي بارز يجلس إلى يساري، والأمين العام لمنظمة التحرير الفلسطينية يجلس إلى يميني، وفي المقابل كان يجلس عباس.

وكان الأمر يشبه الإنصات إلى اقتراح مثير لتحقيق السلام في الوقت الذي تواصل فيه فكرة مهيمنة مشؤومة لوقوع كارثة الظهور مجددا مع إصرار أكبر.

وفي حين أن عباس أشار إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو «شريك في السلام»، وقال إن الأمر سيكون بمثابة «جريمة» إذا ما أخفق الزعماء الفلسطينيون واليهود، واصل الدبلوماسي الأميركي وياسر عبد ربه، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية، الهمس في أذني بأن هناك كارثة تلوح في الأفق. وقال عبد ربه: «إن نتنياهو يمارس ألاعيبه المعتادة».

وخرجت من هذا العشاء وأنا مقتنع بأن الولايات المتحدة على حافة فشل دبلوماسي. وبعد أقل من شهر من إعلان الرئيس أوباما رسميا في البيت الأبيض تجدد المباحثات بين الإسرائيليين والفلسطينيين، تقترب هذه المباحثات من الانهيار. وإذا وقع ذلك، كما يعرف نتنياهو وعباس، فإن أوباما سيبدو وكأنه يفتقر إلى الخبرة.

يحتاج الزعيمان إلى الولايات المتحدة، لذا يتعين عليهما تجنب إهانة أوباما، بيد أنه مع انتهاء التجميد الذي فرضته إسرائيل على إنشاء المستوطنات في الضفة الغربية يوم الأحد، فإن كلا الجانبين على أهبة الاستعداد. وعلى الرغم من دعوة أوباما العلنية لنتنياهو «بأن تمديد التجميد أمر منطقي»، فإن الحكومة الإسرائيلية تبدو وكأنها رفضت التمديد رسميا. وسيمثل ذلك خطأ فادحا. ويتعين على أوباما محاربة ذلك حتى آخر دقيقة، فمصداقيته الدولية على المحك.

وبدا عباس لطيفا في حفل العشاء، حيث إنه تراجع عن تصريحاته السابقة بأنه سينسحب من المباحثات إذا استمر إنشاء المستوطنات. ولم يستطع القول بأنه سينسحب، لكنه قال إن «استئناف المباحثات سيكون أمرا صعبا للغاية بالنسبة لي». وخلاصة القول هي أن تجدد بناء المستوطنات سيكون بمثابة ضربة للجهود الأخيرة لتحقيق السلام.

وسأل عباس: «لماذا لم يكن بمقدور نتنياهو إخبار مجلس وزرائه المنتمي إلى وسط اليمين بأنه يحتاج إلى تمديد قرار التجميد لمدة ثلاثة أشهر لأن المباحثات المباشرة كانت في مرحلة حساسة؟». سؤال جيد، وقد يرد عليه نتنياهو بسؤال آخر: «لماذا انتظر الفلسطينيون حتى اقترب قرار تجميد الاستيطان على الانتهاء لاستئناف المباحثات؟». وكان دان ميريدور، وزير الاستخبارات والطاقة الذرية الإسرائيلي هادئا، وقال: «تعتبر نهاية التجميد بمثابة اختبار لمفهوم الحل الوسط. لن يحصل أي من الجانبين على كل ما يريد».

ولنتفق على ذلك من حيث المبدأ، لكن ميريدور لم يفهم النقطة المهمة، فهذا الاختبار هو اختبار رمزي لشيء أكثر عمقا. إنه اختبار لمدى جدية إسرائيل بشأن السلام، إنه اختبار لما إذا كانت فكرة الدولتين تفوق حقا أهمية وهم الدولة الواحدة، يهودا والسامرة.

وإذا كان هناك حل الدولتين فلا يمكن أن يكون الفضاء المادي لدولة فلسطينية يستمر في التقلص شيئا فشيئا، في الوقت الذي تتوسع فيه المستوطنات. فحصيلة جمع اثنين واثنين لا يمكن أن تساوي خمسة.

وكان تاريخ الاحتلال الإسرائيلي للضفة الغربية، الذي بدأ قبل 43 عاما، تاريخا مؤلما ومزعجا، دورة من القمع القاسي والإرهاب الفلسطيني. وفي رواية «الرياح الصفراء» قال الروائي الإسرائيلي ديفيد غروسمان: «لا أستطيع فهم كيف تكون دولة بأكملها، كدولتنا، وهي دولة مستنيرة بجميع المقاييس، قادرة على تدريب نفسها على العيش كدولة فاتحة من دون أن تجعل حياتها بائسة».

هل يريد الإسرائيليون بالأغلبية التي يحظون بها الاستمرار في ممارسة الاستبداد على شعب آخر؟ أم أنهم مستعدون، بالضمانات الأمنية الصائبة، لاتخاذ خيارات مؤلمة من شأنها أن تضفي كرامة جديدة ومهمة على إسرائيل أثناء استعادة الكرامة لشعب مجاور؟ أعتقد أنهم مستعدون للقيام بهذه المخاطرة، حيث إن السلام هو أيضا مخاطرة، لكن يتعين على نتنياهو أن يقودهم إلى تحقيق ذلك. لم يتخذ نتنياهو بعد القرار بالقيام بذلك. ما يشعر به من داخل حزب الليكود وغيره من الأحزاب اليمينية هو أنه لا يستطيع تمديد التجميد ويسيطر على زمام الأمور.

أو هكذا يبدو الأمر. نعم، بكل تأكيد سيلتزم بصورة غير معلنة بتقليص الإنشاءات في الضفة الغربية إلى الحد الأدنى. لكن ذلك لن يرضي القيادة الفلسطينية التي اتخذت خطوات جريئة لتحقيق الاستقرار في الضفة الغربية، وتحتاج إلى إشارة واضحة في الفترة الراهنة بأن إسرائيل تدرك أن السلام سيشمل عكس المستوطنات، لا إنماءها أكثر.

عباس جاد بشأن تحقيق السلام. ورئيس وزرائه سلام فياض جاد للغاية، وقام بما فيه الكفاية في الضفة الغربية للحث على بيان للبنك الدولي الأسبوع الحالي يقول: «إذا حافظت السلطة الفلسطينية على أدائها الحالي في بناء المؤسسات وتوفير الخدمات العامة فإنها مؤهلة على نحو جيد لإنشاء دولة في أي وقت في المستقبل القريب». بذل الرجلان جهودا ضخمة من أجل الحد من العنف ونبذه كوسيلة، وإنشاء خدمات أمنية موثوقة. ولن تعثر إسرائيل على محاورين أفضل منهما.

بيد أن التقدم الحاصل هش، كما أوضحت الاشتباكات الأخيرة. وهذا هو السبب في أن أوباما يجب الآن أن يكسر بعض العظام لمواصلة التقدم: «ما عليك سوى فهم ما أقول يا عزيزي. من المنطقي تمديد التجميد لبضعة أشهر، من أجل إسرائيل ومن أجل الولايات المتحدة».

* خدمة «نيويورك تايمز»