لو كتب المحكوم بالإعدام يومياته!

TT

من المؤكد أن هشام طلعت مصطفى ومحسن السكري قد ناما طويلا - لأول مرة - بعد صدور الحكم الذي أبعد حبل المشنقة عن عنقيهما، فسنوات السجن، بكل حرمانها وآلامها وعتمة لياليها، تظل أرحم كثيرا من أن يبقى الإنسان أسير احتمال أن يطرق السجان باب زنزانته ذات صباح لأخذه لتنفيذ حكم الإعدام شنقا، فلا أحد يمكن أن يدرك حجم القلق الذي يتلبس من ينتظر أن يعدم، ولو كتب محكوم بالإعدام يومياته قبل تنفيذ الحكم لقدم صورة صادقة ونادرة لعذابات الانتظار، وقلق الرحيل، وقسوة الإحساس بالنهاية، وأبلغني ضابط سجن عربي عن المهمة الصعبة، حينما يكلف بإخراج محكومين بالإعدام من زنزاناتهم إلى مكان الإعدام، وكيف أن الكثيرين يفقدون قدرتهم على الحركة أو التعبير، وهم يصلون إلى ساحة الإعدام شبه موتى، وفي حالة انهيار، باستثناءات نادرة كحالة صدام حسين، حيث وصف جندي أميركي لحظات صدام الأخيرة في رسالة بعث بها لزوجته نشرت مؤخرا، أشار فيها إلى أن صدام كان قادرا على أن يبتسم أمام حبل المشنقة، وكأنه يشاهد شيئا يبعث على السرور، وأنه حينما أبلغ بأنه سيعدم خلال ساعات لم يكن مرتبكا، بل طلب تناول وجبة من الأرز مع لحم دجاج مسلوق، وشرب عدة كؤوس من الماء الساخن مع العسل، وهو الشراب الذي اعتاد عليه منذ طفولته.

وفي تقديري أن مثل صدام كان يدرك - وهو الذي خاض طويلا غمار لعبة القاتل والمقتول - احتمالات هذا المصير، وقد حلل مسؤول سابق في أحد الأنظمة الاستبدادية لعبة القاتل والمقتول بالقول: «الإزعاج يأتيك فقط من القتيل الأول، فالجثة الأولى مقلقة ومربكة، بعدها عليك أن تقرر إما الخروج من اللعبة وإما الاستمرار فيها.. والخروج يعني التقاعد والظل، والاستمرار يعني الحضور والمخاطرة بأن تكون أنت أيضا مشروع جثة».

والذين يطالبون بإلغاء عقوبة الإعدام في حق القتلة والمجرمين في الغرب والشرق يتناسون مشاعر أهل الضحية، وفداحة الفقد، ودور حكم الإعدام في إيجاد القصاص العادل، وتحقيق الردع، ودعم أمن المجتمعات، حتى الدول التي تأخذ بمبدأ الدية عليها أن لا تسمح بالمتاجرة في الرقاب لتصل إلى الملايين التي يتكلفها فاعلو الخير، فقد يكون لهذا التوجه آثاره الخطيرة في تزايد حالات القتل، والاستهانة بالجرم، مع ضرورة التفريق بين قاتل وآخر بحسب سياقات الجرم ودوافعه وملابساته.

دمتم في حماية الله.