لعله كون مأهول بجيران

TT

توقعت أن يكتب الدكتور محمد عبده يماني في كل شؤون الأرض: في الدين. في الرواية. في المجتمع. في القصة القصيرة. في السياسة، أو في أي شأن أرضي يمكن أن يخطر لك. تأكدت وأعدت التأكد، من عنوان «هل نحن وحدنا في هذا الكون؟»، قبل أن أطلب الكتاب. ولم يكن ذلك من باب الفضول، وإنما من باب طلب المعرفة. فمؤلفات الدكتور يماني موضع تقدير، لا مثار فضول. وها هو يفتح باباً آخر.

وأنا الجاهل بأمور العلم توصلت إلى خلاصة مثيرة من مطالعة خرائط الكواكب التي تحيط «بهذا الكوكب البسيط المتواضع». فالنظام الشمسي يضم كما هو معروف تسعة كواكب: عطارد، المريخ، يورانوس، الزهرة، المشترى، نبتون، الأرض، زحل، بلوتو. لكن تختلف أقطار هذه الكواكب، ودرجات الحرارة فيها، وسرعة دورانها، وأنواع الغازات عليها، وكثافتها، ودرجات ميلها نحو خط الاستواء، ثم تتفق جميعا على الدوران في فلك الشمس. كما لو أنها جنود في جيشها.

لا يمكن لنا أن نستوعب ببساطة الأرقام التي يوردها الدكتور يماني. كأن نعرف مثلا أن حرارة مركز الشمس هي مليون درجة. مئوية لا فهرنهايت! فكل رقم متعلق بالمجرات التي حولنا هو مجرد رقم للقياس، وليس من أجل أن تستوعبه العقول غير المتخصصة في مذهلات العالم. ويرفق الدكتور يماني دراسته بالصور التي التقطها الأميركيون والروس لبعض هذه الكواكب التي تبدو مثل حقول مهجورة نسي أهلها توضيب الحجارة وبقايا البيوت.

ويلاحظ المؤلف أن علماء غربيين كثيرين سطوا على مؤلفات علماء المسلمين في علم الفلك، ومنهم «سوفت» الذي سرق كتابا كاملا لابن النفيس وكذلك الألماني ليونهارت فوكس من جامعة توبنغن. لكن في المقابل دافع مستشرقون كثيرون عن إنجازات العلوم الإسلامية واعتبروها الأساس في ما أعقب من طموحات بشرية في سبر أغوار الكون.

على أن قراءة عبده يماني في الأدب لها طعم الألفة. فلا أرقام هنا ولا مئات ملايين الأميال، بل جولة في فلك اجتماعي محدود المساحة مهما اتسعت. وفي «جراح البحر» يسبر أغوار الإنسان، التي لعلها أكثر تعقيدا وبعدا من الكواكب السيارة. وفي القصة القصيرة الماتعة يبحث المؤلف عن نهايات سعيدة لأبطاله. لكن ليس قبل أن يعرض لنا صعوبات ومشكلات الحياة، أو سوء الطبع البشري وخيره أحيانا. لكن سواء كتب في الفلك أو في شؤون الدنيا، ثمة دافع واحد هو محور كل شيء لديه: الإيمان.