أوراق لم تعد سرية!

TT

منذ أيام بسيطة مرت ذكرى حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) التي وقعت عام 1973 بين العرب وإسرائيل، والتي باغتت فيها جيوش مصر وسورية إسرائيل بضربة مفاجئة مكنتها من تحقيق نصر لا يمكن إغفاله، ولكن هذه الحرب وبعد مرور 37 عاما عليها لا يزال يشار إليها في الغرب بأنها كانت «نصرا» إسرائيليا على العرب، علما بأن المحصلة النهائية للحرب، وبعد وقف إطلاق النيران، كانت حصول العرب على أراض محررة.

الآن هناك أوراق سرية جدا تم السماح بتداولها للعامة في إسرائيل بعد أن انقضت فترة الحظر عليها وأزيلت قيود السرية عنها، وهي تخص اللقاءات السياسية والعسكرية لقادة إسرائيل خلال حرب عام 1973، وهي تظهر ارتباكا شديدا بين بعض الشخصيات القيادية في إسرائيل، وتحديدا موشيه ديان وزير الحرب الإسرائيلي وغولدا مئير رئيسة الوزراء. موشيه ديان كما تظهره أوراق محاضر الاجتماعات كان وضعه يائسا وبائسا وفاقدا للثقة وعلى شفا الانهيار التام، وكان يقول: «أنا قللت من تقدير قوة الخصم، وبالغت في تعظيم إمكانية قواتنا». وأضاف أن «العرب جنود أقوى مما كانوا في مواجهتنا الأولى» و«سيموت الكثير من جنودنا»، وتحول هذا الهم الذي يدور في خلده إلى قرارات سريعة لأجل البقاء والصمود، فبدأ في استدعاء رجال مسنين وكبار خارج حدود السن التقليدية المعروفة في خدمة الجيش لتجنيدهم بشكل فوري، وكذلك استدعاء، على عجالة، الآلاف من اليهود الذين يعيشون خارج إسرائيل للدخول أيضا في خدمة الجيش.

غولدا مئير من جانبها قررت الذهاب على عجالة لواشنطن لحثها على التدخل، إلا أن الوضع على الجبهة كان خطيرا جدا بحيث لم يسمح لها أن تترك الموقع، وبالتالي لجأت إلى وسيلة أخرى ومهمة لتحقيق نفس الغرض والمطلب، وكان ذلك هو الاتصال العاجل بوزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر والطلب منه بشكل سريع التدخل الأميركي الفوري لإنقاذ إسرائيل. وكان هذا هو الفارق الأعظم في وقف المد العربي، لأن نيكسون أمر بإقامة الجسر الجوي لإسرائيل، مما مكنها من إيقاف الخسائر التي تكبدتها حتى انتهت حرب العشرين يوما، وتم مناقشة وقف إطلاق النار التي انتهت بتحرير جزء من سيناء وقناة السويس ومدينة القنيطرة السورية.

إسرائيل لا تزال تبحث حتى اليوم الخلل في جاهزيتها لمواجهة الضربة العربية في السادس من أكتوبر، فهم يبحثون عن «معرفة» قائد الأركان العسكرية وقتها، ديفيد بن أليعازر، عن ضربة سورية - مصرية مقبلة على الجبهة الإسرائيلية، ومع ذلك رفض الاستماع إليه من ديان ومئير، وكانت «حجة» مئير وديان في عدم توجيه ضربة استباقية للعرب بناء على معلومات أليعازر هي أن العرب «غير قادرين» على ذلك، وأنهم يخشون من أن يتهم الغرب إسرائيل «بالعدوانية والوحشية» إذا ما أقدموا على ذلك! ولكن علماء السياسة والأكاديميين في إسرائيل اليوم يدركون أن المعنى «الحقيقي» باعتقادهم لحرب 1973 هو إعادة كل الأراضي التي تم الحصول عليها في عام 1967، وهو ما نجح السادات في إنجازه بالكامل دبلوماسيا، وهي صدمة لم تفق منها إسرائيل حتى الآن، ما يفسر التنطع والممانعة الهائلة لإعادة أي أراض من الضفة الغربية أو الجولان حتى الآن في ظل كل مبادرات السلام التي تم الإعلان عنها.

درس حرب 1973 العظيمة لا يزال يحتفظ بالكثير من الأسرار، فلقد كانت لحظة مهمة عاشها العرب، وهي لحظة انتصار وإنجاز ونجاح مهما حاولت مراكز ودراسات منحازة أن تبرزها بأنها كانت انتصارا إسرائيليا.

[email protected]