من سخافات المصريين!

TT

من سخافات المصريين أنهم لم يكتفوا بأن اغتالوا عظيما من أكبر عظمائهم في التاريخ: أنور السادات! وإنما فاتهم أن يجعلوه مجرما. فهذا من أسباب الهيافة. وقالوا: بل قاتل.. ومن قتل يقتل ولو بعد حين. إنه حاول أن يقتل عبد الناصر بأن يضع له.. أو وضع له.. سما في القهوة. واستراح السخفاء في مصر بأن عظماءهم شهداء مجرمون.. مع أن عدد الذين استشهدوا مع السادات في الحرب يساوي واحدا على ألف ممن قتلهم عبد الناصر. ولكن السادات بطل الحرب - حقا - وبطل السلام - صدقا - يعد نموذجا رفيعا للرجل الذي نصر شعبه وأعز جنده وهزم الأحزاب وحده..

ولكن ما ورثناه عن أجدادنا هو تشويه الأجداد العظماء. الفراعنة كانوا يفعلون ذلك.

والمصيبة أن كل الشباب في الأربعين من العمر لا يعرفون شيئا عن الحرب والسلام ولا يريدون. ويتساءلون إن كان السادات قد حاول قتل عبد الناصر.. ولا يتساءلون عن الحرب والسلام. فقد اعتادوا على المسلسلات التلفزيونية البوليسية. وأنا أعرف الكثير جدا عن سلوكيات الناس حول السادات وإليه ومنه.. وهم يرون فيه مخلّصا لبلده من ذل الهزيمة وعار الجهل..

ولكن بلاء السادات ليس كله كذلك. فهناك من لا يعرف ومن لا يهمه أن يعرف ومن يحقد عليه حيا وميتا. وشيوخ مشايخ النصب التاريخي يفبركون القصص ويتقاضون عنها أجورا عالية.. أي يبيعون مصر المحترمة العظيمة.. يبيعونها مشوهة مجرمة.. وكلما أسرفوا في تشويه مصر زادت أجورهم على ذلك.. ثم يتحدثون عن الأمانة والصدق التاريخي.

الحقيقة أنها براعة في اختراع شخصيات وهمية. يعني الرئيس عبد الناصر زعيم سياسي لا شك في ذلك. وكل الذي يقال ضده أو عنه سوف يذهب ويبقى الرجل عاليا. ولكن يبدو أن هذا لا يكفي.. فشيوخ مشايخ الطرق التاريخية في الفبركة لا يسكتون عن هذا.. بل يضيفون إلى عبد الناصر أنه لا ينطق عن الهوى وأنه مثل زرقاء اليمامة ترى ما لا نرى وتسمع ما لا نسمع.. وأنه فوق فوق البشر.. وهي إساءة له. ولكن لا يهم. فالمطلوب هو تأكيد الزعيم. ولا يجد المصريون في ذلك حرجا.. فقد قدسنا الحيوانات قبل ذلك.

ولن تمضي سنوات قليلة حتى يجيء من يقول إنه نسي أن السادات حاول قتل الشعب المصري كله بالاتفاق مع الروس بأن تلقي الطائرات الروسية عند السد العالي سموما قاتلة.. وهكذا يتخلص السادات من مشكلات مصر بالقضاء على شعب مصر. وسوف نرى!