تحدي نجاد وفضيحة «السيد»

TT

كل أجراس الإنذار من الدور الإيراني، التي رنت في الخليج واليمن ودول عربية أخرى، تلاشت أصواتها، بعد أن دق نجاد نواقيس التحدي من لبنان، مسقطا حجج رافعي الشعارات الزائفة من عملاء ولاية الفقيه، الأكثر خطرا من أي مشروع آخر، منذ الغزو الصفوي الأول لبغداد.

الرجل زار لبنان متظاهرا بالبساطة والتواضع والحرص على وحدة لبنان واستقراره، وحاول تفادي اللغة الطائفية التي جبل عليها. وهو ثوب لا يستر عورات مواقف لم تتغير. فوجود دور لنظامه في لبنان هو لب المشكلة، التي يجسدها حزب ولاية الفقيه.

لقد فتح نجاد صفحة متقدمة من التحدي بزيارته، متحديا أميركا وإسرائيل ظاهريا و«مشاعر» العرب. غير أن جولة الجنوب أعطت قراءة مغايرة للعواطف والتحليلات السطحية، لأنها أكدت مرة أخرى أن ما يقال عن حالة العداء بين إسرائيل وإيران مبالغ فيه كثيرا، وربما تتحدد الخلافات الأساسية بالبرنامج النووي.. ولهذا التصور ما يدعمه.

من الناحية المنطقية، كان من المستحيل أن تستهدف إسرائيل نجاد حتى لو اعتبر عدوا، إذا ما افترض وقوع خسائر بشرية كبيرة بين المدنيين، لما يترتب على موقف كهذا من إجراءات قانونية دولية. ومن هنا انطلق نجاد بإصراره على زيارة بنت جبيل. ولا أريد الانسياق وراء نظريات المؤامرة في التفسير. لكن، ألم يكن ممكنا أن يقوم الطيران الإسرائيلي باختراق الحاجز الصوتي فوق منطقة التجمع، وشن غارات وهمية على ارتفاعات منخفضة، ونقل حالة الفوضى التي تحدث في موقع وجود الرئيس، تلفزيونيا، بواسطة الطائرات المسيرة وغيرها من الوسائل؟.. أما كان ممكنا شل وسائل الاتصالات لقوات الحماية المرافقة لنجاد وتسريب معلومات عن عمليات استهداف معينة لإثارة الاضطراب؟.. وحيث لم يحدث أي من التساؤلين، ألا يعني ذلك سخف المبالغة في توصيف الصراع بين إسرائيل وإيران؟ أم أن إسرائيل متخلفة إلكترونيا إلى درجة العجز؟ أم أن مسؤوليها عقلاء وملتزمون وما يقال عن عنجهيتهم مبالغ فيه؟

ويبدو أن نجاد قد توصل إلى قناعة منطقية بعدم وجود تهديد يستهدفه طيلة مدة الزيارة وليس في منطقة الجنوب فحسب، ولم تضعه إسرائيل على قائمة المطلوبين. بيد أن المخابرات الإيرانية لم تنصح السيد بالحضور الميداني، لأنها أرادت إضفاء صفة شجاعة غير عادية على الرئيس على حساب الكرامة الشخصية للسيد، الذي بقي ملازما مخبأه. فهل يعقل أن يكون حب الذات أكبر من الكرامة الشخصية؟ وكيف قبل التخلي عن الحضور الميداني مع أعز ضيف على قلبه زار لبنان؟ وكيف قبل أن يكتب عليه الخوف من إسرائيل إلى حد الذعر؟

إن إلقاء نصر الله خطاب ترحيبه بنجاد عبر دائرة تلفزيونية من أحد مخابئه السرية يعتبر حالة لا سابق لها، خصوصا أن الزائر كان حاضرا مع آلاف المشاهدين في مكان علني لمتابعة الخطاب. وإذا كانت درجة شجاعته قد تدنت إلى هذا الحد المثير للسخرية، فهل تجاب دعوته بتعجيل ظهور المهدي؟

مثل هذا «القائد» لا ينبغي الإفراط في التحسب لقدراته وقوته، والمبالغة في وصف قوة الحزب لا تخدم مستقبل لبنان وهويته، بل تجعله أسيرا إلى أجل قد تنقلب فيه المعادلات لمصلــــحة الغوغـــاء مـــــــــــن الخميــــنيين.

وهل صحيح أن السلاح متاح لحزب الولي الفقيه وحده؟ ومن الذي يكبل أيدي الآخرين؟ ولمصلحة من يبالغ في وصف قوة الحزب؟ فلا طائرات في الجو ولا دبابات على الأرض، وكل ما دون ذلك يمكن للدولة معالجته! ولا يجوز للدولة الخوف من سلاح ميليشيا يمكن في المحصلة تشذيبها وإخضاعها للقانون عن كل ما اقترفت. وليس الخضوع للابتزاز الإيراني والتخلي عن الثوابت الاستراتيجية للمصالح العليا التي تمنع تحويل لبنان إلى بؤرة متقدمة أكثر سوءا من أي بؤرة أخرى.

لقد أضاعت قوى الاعتدال الوطني فرصا مثالية لتسوية الحساب مع نصر الله وحزبه، في مرحلة أدخل بها لبنان في مأزق خطير. وإذا ما توافرت ظروف مناسبة فلا ينبغي تكرار الخطأ. فمصدر التهديد الرئيسي يأتي من المشاريع العدائية التي يمثل هذا الحزب رأس حربتها في قلب الشرق الأوسط. وكما قيل، فإن الضرورات تبيح المحظورات، ما دامت ضمن المصالح العليا وإطارها الاستراتيجي.. بلا تردد وبلا خضوع للسطحيين.

فمبروك «للسيد» سلامته وحصانة مخابئه.. «والاستشهاد للمساكين والمغرر بهم».