تشيليون ومكسيكيون

TT

لا تزال أسطورة عمال المناجم الذين أمضوا 69 يوما تحت تاسع أرض في تشيلي، تزداد عظمة وكبرا. لقد اتفق 33 رجلا شبه متعلمين، على ألا يتحدثوا إلى الإعلام منفردين. لا يمكن لواحد منهم أن «يبيع» تجربته للإعلام دون سواه؛ كما تشاركوا في الصمود وفي العذاب، يشتركون في حصد الضوء والثمن. كما جاعوا معا وعطشوا معا وخافوا معا وحلوا شبكات الكلمات المتقاطعة معا، هكذا يقابلون عالم الأضواء معا.

لم أستطع إلا أن أفكر في لبنان. كلما اجتمع أربعة نواب على صحن حمص خرج منهم متحدث. وكلما عنَّ لسياسي أن يشتم وأن يهدد وأن يلوّث الجو العام والآداب العامة وأن يبث الفرقة والسموم والكذب والتهديدات السافرة، وجد عشرين كاميرا تلفزيونية في انتظاره على الباب.

هذا بلد يشبه عالم ديزني في أورلاندو، ولكن على بشاعة وخوف ورعب وأكاذيب. محطات التلفزيون أكثر من طواحين الهواء، وبرامج الكلام أكثر من بحار الثرثرة، والتصريحات أكثر من التصريحيين وأكثر رتابة ومللا وضحالة. مقابلات سياسية في الصباح وفي المساء، كل يوم، بما فيها الأعياد، الدينية والرسمية، وعيد الاستقلال، الذي نحتفل به الآن برعاية دولة قطر، التي برعايتها تم أيضا انتخاب رئيس الجمهورية.

ليست هناك إحصائية حاسمة حول عدد محطات التلفزيون في لبنان. ولا حول عدد الضيوف، مياومين وأسبوعيين. ولا عدد المحللين. لكنها أعداد غفيرة لا تطاق حتى في الصين أو الهند. وأكثرها تلويث. ومعظمها نوايا غير حسنة. وهي إما تكليف واضح، أو مجانية فاضحة لا خلق فيها ولا قواعد ولا ضوابط ولا أصول. وخصوصا لا إبداع ولا جهد ولا جديد. الكتب تقرأ من عناوينها، والرجال يقرأون من ألسنتهم.

ونادرا، نادرا، يطل وجه كريم، موهوب، مستقل، يليق بالضوء وبالتحدث إلى الناس، بخلق ونية حسنة وشعور عميق بالمسؤولية. ويشعر المرء بالارتياح والغبطة. لم يصبح عتم التلفزيون شاملا بعد. وجه مثل وجوه أهل تشيلي. الباقي مسلسلات مكسيكية، وصراع ديوك مكسيكية، وديزني لاند.. مكسيكية أيضا.