ليت «واشنطن» أنجزتنا ما تعد..

TT

بقدر ما كانت «مفاجئة» زيارة مساعد وزيرة الخارجية الأميركية، جيفري فيلتمان، إلى بيروت الأحد الماضي.. كانت أيضا مدعاة للتساؤل عما قدمته واشنطن من دعم سياسي يذكر لقوى «14 آذار» في مرحلة كانوا فيها فعلا أصحاب قضية - أي استقلال القرار اللبناني عن الوصاية السورية - لتأخذ «14 آذار» على محمل الجد وعد فيلتمان الجديد بدعم واشنطن للمحكمة الدولية «إلى النهاية»، وحرصها على أن تستكمل عملها.

رائع أن تؤكد الإدارة الأميركية، عبر فيلتمان، التزامها بلبنان «قوي ومستقر وذي سيادة». ولكن الأروع من ذلك أن تؤكد بأفعالها، لا أقوالها، هذا الالتزام.

ألا يحق للبناني العادي أن يتساءل لماذا فشلت واشنطن في تقديم دليل عملي واحد على التزامها بسيادة لبنان واستقراره يوم كان هذا الالتزام مطروحا، بل ومطلوبا، على مستوى الشارع؟

كلنا نذكر، على سبيل المثال، موضوع قرية الغجر المقسومة إلى شطرين: إسرائيلي محتل ولبناني محرر، وكيف انتعشت آمال حكومة فؤاد السنيورة - التي كانت تحظى برضا واشنطن وسفيرها في بيروت آنذاك، جيفري فيلتمان بالذات - في أن تقنع واشنطن إسرائيل بـ«التنازل» عن احتلال نصف القرية.. ليس فقط لإعادة توحيدها في ظل «سيادة لبنان واستقراره»، بل لإعطاء خصوم «14 آذار» مثلا حيا عن مصداقية وعود واشنطن بدعم «ثورة الأرز» وسعي حكومة السنيورة لبسط سيادة الدولة على كامل أراضيها.. ففشلت في إقناع إسرائيل بـ«التضحية» بكيلومترات معدودة من الأراضي اللبنانية المحتلة تفوق القيمة السياسية للجلاء عنها - بالنسبة للبنان والولايات المتحدة معا - أي قيمة استراتيجية مفترضة لإسرائيل.

عجز الإدارة الأميركية عن «إقناع» إسرائيل بأن تتزحزح قيد أنملة من قرية الغجر أحبط آمال قوى «14 آذار» في جدية الدعم الأميركي لقضيتهم، خصوصا إذا ما قورن بالدعم الإيراني والسوري السخي لقوى «8 آذار»، وأسهم بالتالي في إضعاف «14 آذار».. فهل يلام اللبناني العادي إذا اعتبر اللجوء إلى حمى واشنطن كالاستظلال بسحابة صيف عابرة: لا يعرف متى تنقشع ولا كيف تنقشع؟

أما لماذا تنقشع فالأمر بمنتهى البساطة: الحرص المفرط على تجنب المس، بأي شكل من الأشكال، بمصالح إسرائيل، وما يفترض أنه أمن إسرائيل.

مشكلة الولايات المتحدة ليست افتقارها إلى أوراق ضغط على إسرائيل - وما أكثرها - مشكلتها مدى استعدادها لممارسة أي ضغط كان حتى «النهاية»، ودون احتساب لرد فعل اللوبي الصهيوني في واشنطن.. الأمر المستحيل في موسم انتخابي (انتخابات منتصف الولاية) لا يبشر بخير للحزب الديمقراطي الحاكم.

حبذا لو ينقل فيلتمان إلى إدارته أنها فوتت، مع «ثورة الأرز»، فرصة تاريخية لبناء علاقة صداقة وثيقة مع اللبنانيين كانت ممكنة، آنذاك، رغم كل المآخذ «الإسرائيلية» على دبلوماسيتها الشرق أوسطية. وغير خاف أن «تقلص» الحجم الدولي - والمحلي - للرئيس باراك أوباما لا يوحي باحتمال تعويض هذه الفرصة المهدرة، خصوصا بعد فشله الذريع في حمل رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، على تمديد وقف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية المحتلة وما يشكله هذا الفشل من إقرار ضمني بهيمنة القرار الإسرائيلي على الدبلوماسية الأميركية في الشرق الأوسط.

ما أشبه موقف قوى «14 آذار» من الإدارة الأميركية بموقف الشاعر عمر بن أبي ربيعة من عروس أحلامه، هند، الشاعر تمنى أن تنجز هند ما وعدت به و«تستبد مرة واحدة»، و«14 آذار» تمنت أن تنجز واشنطن ما وعدت به و«تستقل» مرة واحدة عن إسرائيل.

والمفارقة الواجب تسجيلها في هذا السياق أن «14 آذار» باتت تلتقي مع الشاعر العربي في ملاحظته: «كلما قلت متى ميعادنا.. ضحكت هند وقالت بعد غد».