من يكترث بالعروبة اليوم؟

TT

في تقرير شائق لصحيفة الـ«واشنطن بوست»، نشرته صحيفتنا أمس، سجل المراسل ملاحظة مهمة عن ضعف تأثير كلمة «عروبة» في منطقتنا أمام تنامي الحركات الإسلامية. وهذا أمر طبيعي، وله عوامل عدة، ليست بسبب المد الأصولي وحسب، بل وأسباب أخرى، وإن كان المد الأصولي أحد أبرز أسبابه. وعندما نقول إنه أمر طبيعي، يكفي أن نتأمل التحالفات، ولو غير المقصودة، بين أهم مكونات الإسلام السياسي، المتطرفة منها، أو المتغلغلة بالقوة الناعمة، على إلغاء مفهوم الدولة، وبالتالي إلغاء الإحساس بالعروبة.

وأبرز أقطاب ذلك التحالف الثورة الخمينية، ويكفي ما تفعله اليوم في العراق ولبنان، حيث حزب الله الذي سنعود إليه بتفصيل موجز كمثال صارخ، وهناك الإخوان المسلمون، وأبسط رمزية هنا البيعة التي تعطى للمرشد العام في تناقض واضح مع البيعة للحاكم. و«الإخوان» بالطبع لا يؤمنون بالوطن، وإنما بـ«الأمة الإسلامية»، ولذا قال مرشدهم ذات مرة «طز في مصر».

وهناك أيضا تنظيم القاعدة الذي لا يعترف بالدول والحدود، فعندما يريد التنظيم الإشارة إلى السعودية، مثلا، نجده يقول «جزيرة العرب». وكما أسلفنا، فليس الإسلاميون وحدهم الذين يزيدون من ضعف العروبة، فالمفارقة التي قد تعقد حاجب القارئ هنا، أن الجامعة العربية، بقصد أو من دونه، تسهم في إضعاف الحس العروبي اليوم من خلال إيقاعنا في فخ «دول الجوار»، وتحديدا فتح الأبواب لإيران التي تتحسس إلى اليوم من اسم الخليج العربي! وهناك بالطبع سورية العلمانية، حليفة الحزب الأصولي حزب الله، أو سورية العروبة، التي توازن علاقاتها مع إيران بالانفتاح على تركيا، وليس العمق العربي!

وبالعودة إلى حزب الله، كنموذج للعمل المؤسس لإضعاف الحس العروبي، فاليوم يتم تداول شريط فيديو على الإنترنت لحسن نصر الله، نشر عنه أمس في «الشرق الأوسط» بعنوان: «نصر الله قال بوضوح عام 1986: لا نؤمن بوطن اسمه لبنان»، يقول فيه زعيم حزب الله في سبتمبر (أيلول) 1986: «لا نؤمن بوطن اسمه لبنان، بل بالوطن الإسلامي الكبير. إن لبنان وهذه المنطقة للإسلام والمسلمين، ويجب أن يحكمها الإسلام والمسلمون. ليس لدينا مشروع نظام بلبنان، علينا أن نزيل الحالة الاستعمارية الإسرائيلية، وحينئذ يمكن أن ننفذ مشروعنا الذي لا خيار لنا في أن نتبنى غيره، لكوننا مؤمنين عقائديين، وهو مشروع الدولة الإسلامية وحكم الإسلام، وألا يكون لبنان جمهورية إسلامية واحدة، وإنما يكون جزءا من الجمهورية الإسلامية الكبرى التي يحكمها صاحب الزمان ونائبه بالحق الولي الفقيه الإمام الخميني. وأنا لا يمكن أن أبقى لحظة في أجهزة حزب الله إذا لم يكن لدي يقين بأن هذه الأجهزة تتصل عبر مراتب بالولي الفقيه، القائد المبرئ للذمة الملزم قراره».

وما سلف ذكره ما هو إلا ملاحظات بطبيعة الحال، وإلا فإن الموضوع يتطلب استفاضة أكثر، لكن يبقى سؤال هنا مهم: هل يمكن بعد كل هذا الجهد التخريبي المنظم أن يبقى الحس العروبي حيا، وخصوصا أن كثيرا من الأنظمة العربية قد قمعت كل تيار فكري مخالف للفكر المتشدد؟.. لا أعتقد!

[email protected]