كيس اليوروات الإيراني

TT

الـ«نيويورك تايمز» روت في تقرير لها كيف أن السفير الإيراني في كابل، فدا حسين مالكي، جلب معه أموالا بعملة اليورو في كيس بلاستيكي، وسلمها إلى أحد مساعدي الرئيس الأفغاني. أصبحت الرشوة جزءا من النشاط الإيراني المحموم في أفغانستان، وهو نشاط لم يعد سرا في بعض المناطق الأفغانية التي صارت تحت الإدارة الإيرانية، وهو ما اضطر الإدارة الأميركية قبل أيام إلى القول إنها قبلت دخول إيران في المفاوضات الجماعية حول أفغانستان.

طبعا لا ندري أي جنِّي تلبس الأفغان، وأي ساحر إيراني أصابهم حتى يصبح بعضهم بهذا الرخص السياسي للعمل كوكلاء لنظام طهران وقبول رشاهم. لماذا تفعلها إيران بهذا الكرم؟ فلا توجد الكثير من المغريات في أفغانستان للنظام الإيراني تجعله يدفع بسخاء لكبار السياسيين الأفغان في مكتب الرئاسة في كابل، وتدفعه لتسليح قطاعات من الشعب الأفغاني سوى أن إيران تريد منازلة الأميركيين هناك، وإجبارهم على الخروج. هدف له ما يبرره سياسيا وأمنيا إلى حد ما، لكنها عملية غالية الثمن، فهل تستطيع إيران تمويل هذا الكم الهائل من النشاطات في المنطقة، وهي نفسها تمر بضائقة اقتصادية ومالية هي الأقسى في تاريخ الجمهورية الإسلامية؟ هل تستطيع أن تهب الرشاوى على كل المستويات؛ الإدارة المركزية والأقاليم المجاورة لها في أفغانستان؟ وهل تستطيع الاستمرار في تمويل المدارس والمراكز وتوظيف وتسليح جماعات متعددة وخوض حرب مكلفة؟

هذه الأخبار صحيحة بشكل عام، وإن كانت التفاصيل غير مؤكدة. فأخبار الأموال التي تدفعها إيران إلى جماعة حماس لحكم غزة، مؤكدة، وبعضها كشف عنه في الأسبوع الماضي. والأموال التي يعرف الجميع أنها هائلة تنفقها حكومة نجاد على حزب الله في لبنان، لكننا لا نعرف حجمها. كذلك لا نستطيع معرفة كم تنفق من أموال على الجماعات والنشاطات الموالية لها في الخليج والعراق، لكنها كبيرة بما يزيدنا حيرة.

صارت إيران تدفع بعملة اليورو الأوروبية بدل الدولار الذي صار سهلا رصده وتقفي أثره، وحتى اليوروات هي الأخرى وُضعت حديثا تحت الرصد والمتابعة بعد أن انضم الاتحاد الأوروبي إلى تطبيق العقوبات.

باتت سياسة إيران التوسعية في المنطقة، من أفغانستان شرقا وحتى غزة غربا، تقوم على ركنين: مالي وعسكري. أنفقت بسخاء في العراق على الميليشيات والأفراد، وفي الوقت نفسه عززت حضورها من خلال العسكر الذين زرعتهم في الداخل العراقي، ووثائق القوات العسكرية الأميركية التي تسربت عبر موقع «ويكيليكس» تبينها بالأسماء والمواقع. أما في لبنان فقد كانت كلمة الرئيس الإيراني أحمدي نجاد صريحة ولا تحتاج إلى مزيد من التفسير عندما قال إن لبنان صار خط الدفاع الأول عن إيران.

هل صارت إيران إمبراطورية إلى درجة أنها تقوم بتمويل نشاطات مكلفة في أفغانستان والعراق ولبنان وفلسطين؟ إن كان ذلك صحيحا، فهو أمر لا يقلقني، بل يؤكد أن النظام الحالي في طهران عمليا يقود إيران نحو الإفلاس ويدفع المواطن الإيراني إلى المزيد من الفقر والتشكك في سياسة رئيسه، خاصة أنه يمر اليوم بعملية حصار هي في الواقع أقسى من الحصار الذي مورس ضد نظام صدام حسين. وستكون الأيام صعبة جدا على النظام الإيراني أن يستمر في دفع المزيد من اليوروات إلى الثوار والمرتشين في الدول الأربع.

[email protected]