أبوظبي بعد دبي تود أن تعيش لحظاتها في التاريخ

TT

كانت دبي، العاصمة التجارية والاقتصادية لدولة الإمارات وأكثر المدن العربية عولمة، هي الظاهرة التنموية المثيرة للجدل في المنطقة العربية خلال الـ10 سنوات الأخيرة، لكن هذا الأمر على وشك أن يتغير سريعا مع الصعود القوي لجارتها أبوظبي، العاصمة السياسية لدولة الإمارات. لقد بدأت الأضواء المبهرة تنتقل في اتجاه أبوظبي التي تسعى للوصول إلى العالمية والبروز كمركز جديد للمال والأعمال في المنطقة العربية.

ففي الوقت الذي تسعى فيه دبي إلى استعادة عافيتها الاقتصادية، وتعالج أزمة ديونها المتراكمة البالغة نحو 100 مليار دولار، تستعرض أبوظبي قدراتها المالية والنفطية وإمكاناتها الاستثمارية الخارجية الضخمة كل الضخامة التي تقدر بأكثر من 600 مليار دولار، وتتحدث عن طموحات تنموية تتجاوز كثيرا طموحات دبي والواردة في رؤية أبوظبي 2030.

تتحدث هذه الرؤية عن أبوظبي كمدينة عربية معولمة، وعاصمة اقتصادية جديدة ليست لدولة الإمارات فحسب، بل للمنطقة العربية بأسرها. وتعتقد أبوظبي أنها مؤهلة أكثر من غيرها لبناء اقتصاد المعرفة، وتنويع مصادر الدخل، وتنويع مصادر الطاقة عبر بناء 4 محطات لتوليد الطاقة النووية، على الرغم من أنها تملك خامس أكبر احتياطي نفطي في العالم.

كما ترغب أبوظبي في الدخول إلى التاريخ عبر التركيز على الطاقة المتجددة وبناء مدينة «مصدر» كأول مدينة خالية من انبعاث ثاني أكسيد الكربون في العالم بتكلفة تزيد على 20 مليار دولار. كما تخطط المدينة لبناء سلسلة من المتاحف الكبرى والجامعات ومراكز البحوث المتخصصة لتصبح بحلول عام 2030 عاصمة الثقافة والتعليم الجامعي والبحث العلمي في الوطن العربي.

لقد عاشت دبي عصرها الذهبي، وستظل متفوقة على بقية المدن العربية، ومن المتوقع أن تحتفظ بموقعها كمركز إقليمي متقدم في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لسنوات طويلة مقبلة. وعلى الرغم من أزمتها المالية الصعبة، فإنه لا توجد مدينة عربية أخرى تنافس دبي في الأفق القريب.

أبوظبي هي المدينة الوحيدة الأكثر طموحا، وربما قدرة على منافسة دبي في عقر دارها. وتعتقد أبوظبي أنها هي المستقبل، وأن سنوات 2010-2020 ستؤسس لعقد أبوظبي، وأن من حقها الآن أن تعيش لحظتها في التاريخ العربي وربما العالمي.

وعلى الرغم من التشابه الكبير، الذي يصل إلى حد التطابق بين نموذج دبي التنموي وما تنوي أبوظبي القيام به، من حيث النمو فائق السرعة، والوصول إلى العالمية، وبناء اقتصاد ما بعد النفط، والاعتماد الكلي على جيش من الخبراء الأجانب، فإن أبوظبي تؤكد مرارا وتكرارا أن مشروعها التحديثي مختلف عن مشروع دبي وأنها ستؤسس لنموذج بديل ومختلف عن نموذج دبي.

أبوظبي، وعلى العكس من دبي، لديها قدرات مالية لا محدودة، ولا تحتاج للجوء إلى الديون لتمويل مشروعاتها المليارية. ولن تندفع أبوظبي كما اندفعت دبي نحو القطاع العقاري والعمراني الذي اتضح أنه أكبر نقاط ضعف نموذج دبي، كما أن أبوظبي أكثر قدرة على الاستثمار السخي في البنية التعليمية والبحثية والثقافية الغائبة في خطة دبي التنموية، علاوة على ذلك لدى أبوظبي فرصة تاريخية لاستيعاب عبر ودروس نموذج دبي وتجنب هفواته الفاقعة.

لكن مهما حاولت أبوظبي الادعاء أنها تؤسس لمشروع تنموي بديل ومختلف، فإن ما يجري في أبوظبي حاليا لا يختلف في الجوهر والمظهر كثيرا عما جرى في دبي خلال الـ10 سنوات الماضية.. فالدكتور ناصر بن غيث يعتقد أن «نموذج أبوظبي كنموذج دبي قائم على الزخم الإعلامي، وغير قابل للاستدامة، ويفتقد الشفافية ويسمح بتفشي الفساد المالي». أما الدكتور يوسف خليفة اليوسف فيذهب إلى أبعد من ذلك ليؤكد أنه لا توجد تنمية في أبوظبي، بل «دعاية تنموية قائمة على هدر المال العام على مشروعات غير تنموية».

لكن وبعيدا عن هذه الأحكام، توجد انتقادات محقة لمشروع أبوظبي التنموي، كما كانت هناك انتقادات حادة وقاسية لنموذج دبي؛ فأبوظبي أيضا تحاول إنجاز مشروعها التنموي بسرعة تفوق سرعة الضوء، مما لا يتناسب إطلاقا مع قدرات وإمكانات واحتياجات دولة صغيرة كدولة الإمارات. لا يوجد ما يبرر مثل هذا النمط من النمو فائق السرعة في حالة دبي أو حالة أبوظبي.

ومن المتوقع أن تدفع أبوظبي، كما دفعت دبي، ثمن النجاح، بما في ذلك الوقوع في نشوة النجاح. للنجاح ثمن باهظ، وقد دفعت دبي هذا الثمن سابقا، وستدفعه أبوظبي لاحقا. ثم هناك عامل الجشع والطمع الفردي الذي يسيطر سريعا على العقول والقلوب ويذهب بهما إلى اتجاهات بعيدة كل البعد عن النهج التنموي الوطني الحقيقي والمشروع. كذلك وعلى الرغم من الوفرة المالية، فإن ديون أبوظبي في تزايد مستمر، وتجاوزت حاجز المليار دولار مؤخرا، بل هناك حديث متزايد في العاصمة عن صعوبات مالية، وربما إعادة نظر في مشروعات حيوية عدة.

كما أن مشروع أبوظبي التنموي سيؤدي حتما إلى المزيد من الخلل السكاني، في دولة تعاني أصلا خللا سكانيا شنيعا بعد أن وصلت نسبة المواطنين إلى أقل من 15%. الثمن الاجتماعي لهذا النموذج التنموي باهظ جدا ولا يمكن استيعابه. أما الأسوأ من كل ذلك، فإن أبوظبي، التي ترفع حاليا شعار «أبوظبي أولا»، تتجه نحو الانكفاء على الشأن المحلي بعيدا عن الشأن الاتحادي. هذا الانكفاء لا يليق بعاصمة الدولة الاتحادية، ولا يتناسب مع الشأن الوحدوي للأب المؤسس زايد.

مهما كانت الانتقادات والتحفظات، فالمؤكد الوحيد أن أبوظبي اتخذت قرارها الاستراتيجي بالسير في نموذجها التنموي فائق السرعة منطلقة بإحساس قوي أنها على موعد مع التاريخ، وعلى الجميع الثقة في القيادة، ومتابعة طموحها للبروز المشروع للبروز كمركز إقليمي للتجديد والإبداع في المحيط العربي.

* أستاذ العلوم السياسية في جامعة الإمارات