وثائق الشرق

TT

الخبث، بمعنى الرياء، فرع من الجبن. وهو كثير في الأرض وعام. ومن موجاته الأخيرة ما كتب، وأذيع، عن 400 ألف وثيقة مسربة تدين سلوك الاحتلال الأميركي في العراق، إدارة وسياسيين وعسكريين، وطبعا مرتزقة من أميركا اللاتينية جاء بهم الاحتلال، لأن المجتمعات التي سئمت تاريخ الحروب والقتل والقنابل الذرية، لم تعد تقبل فكرة التجنيد الإجباري ولا الموت المجاني في بلاد الغير، ولا طبعا القتل المجاني في بلادهم أيضا.

الخبث الفاضح في المسألة أن الذين تناولوا فظاعات الاحتلال، لم ينتبهوا لحظة إلى دور المتعاملين والعملاء. إلى الجلادين الذين استقتلوا في تعذيب مواطنيهم إرضاء لأسيادهم. إلى الأدلاء الذين تقدموا جنود الاحتلال نحو المنازل والحرمات وإرهاب الأطفال والنساء. لم يذكر أحد من أين جاءت المقاتلات التي قصفت أطفال ونساء وأبرياء العراق. لم نقرأ كلمة واحدة عن الشركاء والعملاء الذين ساهموا في تشريد ملايين العراقيين إلى المخيمات الطارئة في الأردن وسورية ولبنان.

ثمة فجور كبير في المسألة: أن يترك العملاء من دون محاكمة وأحكام وعقاب، وأن يظل هذا الشرق، أو قسم كبير منه، إما يدل المحتل أو يكون في استقباله، وهو الذي يزوده دوما بالجلادين وخبراء التعذيب وخلاة المشاعر وذوي القلوب المتوحشة.

لن يبرأ هذا الشرق، إلا عندما يواجه جلاديه. أما إذا قرر الاستمرار، بكل خنوع وخبث، في تحميل المسؤولية فقط للاستعمار والاحتلال والعدو الخارجي، فلن يتغير شيء، سوى الارتفاع في أعداد الجلادين واللاجئين والموتى والضحايا والدول السائرة إلى التفكك، برعاية خاصة وحارة، من فضائيات الشرق وقواعد الغرب.

«العار على أميركا» يكتب روبرت فيسك في «الإندبندنت» بحماسه الشهير. صحيح، طبعا، العار على أميركا. والعار لمثل هذا العار في كل مكان. والعار حتى على الشعوب التي توصل إلى السلطة عتاة الحروب والاحتلال والمجازر. لكن ماذا عن عار شركائهم وعملائهم وعبيدهم في الجلد والتعذيب. لقد رأينا صور الكلاب الأميركية في أبو غريب ترعب المعتقلين العراة، لكن أحدا لم يعرض لنا صور كلاب الشرق وذئاب التعذيب الوطني لشعبنا العظيم.