مصاعب خامنئي مع مصادر التقليد في قم

TT

عندما كان آية الله العظمى الخميني يقود الثورة من باريس، قال إنه سيذهب بعد الانتصار إلى قم، وسيبقى هناك إلى الأبد. وأكد أنه رجل دين بسيط، وأن قم هي مقر إقامته الطبيعي.

من الواضح أن الإمام الخميني كان يحاول التفريق بين دوره كزعيم ديني ودوره كقائد للدولة، وهو ما يمكن العثور عليه، في كلماته، أو مقابلاته التي أجراها خلال إقامته في باريس عشية انتصار الثورة. فقال، على سبيل المثال، في مقابلة مع وكالة «أسوشييتد برس» في 7 نوفمبر (تشرين الثاني) 1978: «الرغبة الشخصية والعمر، وحالتي الصحية، لا تسمح لي بالاضطلاع بدور شخصي في إدارة الدولة بعد سقوط النظام الحالي».

وفي مقابلة مع الوكالة ذاتها في 8 نوفمبر 1978، قال: «قلت مرارا إنه لا رغبتي ولا عمري ولا موقعي يسمحون لي بالحكم».

وفي مقابلة صحيفة «الغارديان»، في باريس في 16 نوفمبر 1978: «لا أريد امتلاك السلطة أو الحكومة في يدي، فأنا لست مهتما بالسلطة الشخصية».

بعد انتصار الثورة استقر آية الله الخميني في قم، لكن المجلس الثوري ورئيس الوزراء، بازركان، ومجلس وزرائه كانوا يضطرون للذهاب إلى الخميني في قم. ونتيجة لذلك قال بازركان بحس الدعابة القوي لديه: «من الصعب جدا إدارة الحكومة، لأن العقل في قم والقلب في طهران».

لم تزد إقامة الخميني في قم على أربعة أشهر، ونتيجة لأسباب صحية وسياسية نقل إلى طهران واستقر في جمران بشمال طهران إلى النهاية. كان الخميني مركز الإيمان ومصدر التقليد وقلب الثورة. وكان يلقب بـ«الإمام».

من الواضح أن آية الله خامنئي يشبه الخميني، أو بالأحرى يشبه لقبه لقب الخميني. لكن شخصيته وظروفه مختلفة تماما. في بداية قيادته لم يكن خامنئي من آيات الله العظمى أو مصدرا للتقليد. وعندما أعلن أن خامنئي مصدر التقليد، انتقد آية الله منتظري هذا الفعل، وطالبهم في كلمته الشهيرة، بالقول: «لا تلعبوا بشروط مصدر التقليد سياسيا، إنها إرث وتاريخ الشيعة». بعدها خضع منتظري للإقامة الجبرية في منزله وأجبر على البقاء في منزله الصغير جدا والمتواضع تحت الاحتجاز لمدة خمس سنوات؛ لكنه لم يغير من رأيه.

بيد أن جنازة منتظري في قم كانت ضربت مثالا واضحا على أن جذور المقاومة في قم لا تزال قوية. وكما قلت في لقاء مع قناة «العربية»، إن هناك اثني عشر مصدرا للتقليد - آيات الله العظمى - اثنان منهم فقط يؤيدون الحكومة، هما آية الله نوري حمدانياني وآية الله مكارم شيرازي. لكن حتى مكارم شيرازي، صاحب الآراء المحافظة إلى حد بعيد، بدأ مؤخرا في انتقاد الحكومة.

من ناحية أخرى، فإن أهم مصدر للتقليد أو أفضل باحث في علم الأصول، آية الله وحيد، صهر لاريجاني، رئيس السلطة القضائية ينتقد الحكومة بصورة علنية. حيث تذهب الكثير من الأسر التي سجن أبناؤها والذين تعرضوا للتعذيب إلى منزله طالبة دعمه.

خلال هذا الموقف العصيب، ذهب خامنئي إلى قم، وأقام هناك لعشرة أيام، ويبدو لي أن زيارته إلى قم، كانت مثار جدل بقدر زيارة نجاد إلى لبنان. فقد وافق يوم الثلاثاء، 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ميلاد الإمام الرضا، ثامن أئمة الشيعة، وهو يوم شعبي في إيران، يتوجه فيه الإيرانيون إلى مدينة مشهد حيث ضريح الإمام الرضا وإلى قم لزيارة قبر أخته. ومن ثم يتجمع الإيرانيون في هاتين المدينتين الدينيتين في مثل هذا الوقت. وقد اختار مستشارو خامنئي هذا اليوم لزيارة المدينة، بالإضافة إلى وجود مسجد مشهور في جامكاران، الذي يقال إن الإمام المهدي سيزوره، وهناك بئر أيضا حيث يكتب الزائرون رسائل لإمام الزمان ويلقون بها في البئر.

هذا أحد وجهي العملة، أما الوجه الأكثر جدية هو العلاقة بين مدرسة قم، ومصادرها للتقليد وولاية الفقيه. والآن، نشهد جيلا جديدا يدخل مدرسة قم، غالبيتهم غير مألوفين للنخبة في إيران، فهم داعمون أقوياء لولاية الفقيه، ويعتقدون أن على آيات الله أن يطيعوا آية الله خامنئي. فعلى سبيل المثال أعلن اثنان من أعضاء جمعية «مدرسين» صراحة أن كل مصادر التقليد يجب أن تقبل بموقع خامنئي، وأن تدعمه أيضا.

كان واضحا أيضا، أن رأت الصحف الحكومية والتلفزيون الرسمي الإيراني في زيارة قم نجاحا، فقالت صحيفة «كيهان»، الذي عُين مديرها من قبل خامنئي، في مقالتها الافتتاحية: «إن زيارة آية الله العظمى خامنئي أظهرت أن مكانته أقوى من آية الله العظمى أصفهاني (1292 - 1380 هجرية)». وكانت تلك هي المرة الأولى التي تستخدم فيها صحيفة «كيهان» لقب آية الله العظمى مع خامنئي، كما لقبته وسائل الإعلام الأخرى بـ«الإمام». ومؤخرا أمرت وزارة الثقافة والإرشاد الديني كل الصحف باستخدام هذا اللقب.

يبدو لي أن الهدف الرئيسي من الزيارة كان تعزيز مكانة خامنئي كآية الله عظمى في قم وكإمام لإيران ككل. في أعقاب الانتخابات الرئاسية واجهت شرعيته أزمة حقيقية. فهل نجح في استعادة شرعيته؟ وهل نجح في القول بأن مركز الدين والإيمان هو ولاية الفقيه، لا آيات الله العظمى في قم؟

واليوم يدور نقاش في قم حول عدم لقاء آيات الله العظمى مثل وحيد وموسوي وآردابيلي وزانجيني وصانعي وصادقي طهراني وغيراني، خامنئي، أو زيارته في قم.