لا علاج لنتنياهو إلا «الكي» كما فعل كلينتون عام 1999

TT

لا توجد قناعة ولا حتى مجرد تقديرات ومؤشرات على أن بنيامين نتنياهو من الممكن أن يستجيب لاستحقاقات العملية السلمية ويبادر إلى وقف الاستيطان إن جزئيا وإن كليا، حتى وإن أعطاه الأميركيون كل ما طلبه منهم خلال زيارته الأخيرة إلى بلادهم، وفي مقدمة ذلك الأسلحة المتطورة والأشرطة الجغرافية العازلة التي ادعى أنه بدونها لا يمكن أن يوافق على قيام الدولة الفلسطينية المنشودة التي يجري الحديث عنها، لأن قيام مثل هذه حسب ادعائه بدون ضوابط أمنية سيعرض أمن إسرائيل لأخطار فعلية.

كان بنيامين نتنياهو قبل لقاءات واشنطن المعروفة، التي جمعت بالإضافة إلى الرئيس الأميركي باراك أوباما كلا من الرئيس المصري حسني مبارك والعاهل الأردني عبد الله الثاني ورئيس الوزراء الإسرائيلي نفسه، قد أشاع بأنه سيأتي بما لم يستطعه الأوائل وأنه مصمم على أن يدرج اسمه في سفر التاريخ على أساس أنه صانع السلام في الشرق الأوسط وأنه، وليس غيره من القادة الإسرائيليين، الذي استطاع حل هذه العقدة الصعبة وإنهاء هذا الصراع التاريخي الذي استنزف دول وشعوب هذه المنطقة الاستراتيجية الحساسة.

لكن ثبت، حتى قبل أن يصيح الديك، أنه قد قال هذا الذي قاله من قبيل الخداع والضحك على الذقون، وفي مقدمتها ذقون الأميركيين، فهو ما إن وصل إلى واشنطن وبدأت المفاوضات بينه وبين محمود عباس (أبو مازن) حتى عاد إلى حقيقة أنه رجل زئبقي ومناور وأنه لم يتخل عن أي شيء، ولو جزئيا، عما ضمنه كتابه الشهير: «مكان تحت الشمس» الذي هو مزيج من أفكار والده وأفكار غابوتنسكي الذي هو أستاذ والده ومرشد ومعلم كل هذا الرهط الطويل من المتطرفين من مناحم بيغن إلى إسحاق شامير إلى أرييل شارون إلى هذا العنصري الأرعن أفيغدور ليبرمان الذي - مما يدل على حقيقة موقف إسرائيل من عملية السلام - يحتل موقع وزير خارجية هذه الدولة.

ولذلك فإن على الأميركيين، إن هم جادون فعلا في حل هذه الأزمة التاريخية المعقدة، ليس شفقة على الفلسطينيين وإنما حفاظا على مصالحهم الحيوية في هذه المنطقة الحساسة، ألا يبقوا يخيطون بهذه المسلة الصدئة وألا يبقوا يتعاملون مع إسرائيل وكأن يدها فوق أيديهم وكأنها هي ولية نعمتهم وليس هم أولياء نعمتها، فمثل هذه الأساليب ثبت فشلها سابقا، والمؤكد أنه سيثبت فشلها مرة ثانية وثالثة ورابعة وألف، ما دامت هذه الزمرة العنصرية المتزمتة والمتشددة هي التي تقود دفة سفينة السياسة الإسرائيلية.

لن يكون هناك سلام وستبقى العملية السلمية عالقة في عنق الزجاجة ما دام بنيامين نتنياهو في موقعه وما دامت هذه الزمرة التي تتصرف وتمارس السياسة تحت وطأة أبشع عقد التاريخ هي التي تقود إسرائيل، وهذه مسألة من المؤكد أن الأميركيين يعرفونها تمام المعرفة وأنهم يعرفون إنهم إن لم يلجأوا إلى «الكي» كآخر علاج وإن لم يفعلوا ما فعله بيل كلينتون في عام 1999 فإنه لن يتم إحراز أي تقدم، وأن الشرق الأوسط سيتحول إلى تورا بورا كبيرة محاذية لأوروبا مباشرة وكل طرقها البحرية وغير البحرية سالكة وآمنة في اتجاه الولايات المتحدة، وهذا معناه أن المصالح الحيوية الأميركية ستكون المتضرر الأول والخاسر الأكبر.

إن على الأميركيين، الذين سمعوا هذا الكلام من العرب المعتدلين آلاف المرات، أن يدركوا أن إيران التي يخافونها لا يمكن استيعابها ما لم تسحب من يدها الورقة الفلسطينية. والمعروف أن هناك توافقا وليس اتفاقا بين القيادة الإيرانية وبنيامين نتنياهو وتحالفه الحكومي على إحباط العملية السلمية وعلى الإبقاء على هذه المنطقة في ذروة هذا التوتر الذي تعيشه، فكل واحد من هذين الطرفين له حساباته، وكل منهما يرسم سياساته المستقبلية على أساس إبعاد السلام عن الشرق الأوسط.

يعتقد الإيرانيون، وهذا الاعتقاد صحيح كل الصحة، أنه إذا نجحت العملية السلمية وتم حل القضية الفلسطينية حلا عادلا وعلى أساس قيام دولة مستقلة فعلية للشعب الفلسطيني وأيضا على أساس الانسحاب من الجولان المحتل حتى حدود الرابع من يونيو (حزيران) 1967 فإنهم أولا سيخسرون سورية كحليف لهم متقدم في هذه المنطقة الحساسة والاستراتيجية المهمة، وأنهم ثانيا سيخسرون الورقة التي يسوقون من خلالها أنفسهم على شعوب الشرق الأوسط التي، وهذا ما يجب أن يدركه الأميركيون ويفهمونه، تعتبر قضية فلسطين قضيتها المقدسة الأولى التي وفقا لها تحدد علاقاتها مع الغرب والشرق ومع أي كائن من كان في الكرة الأرضية.

ويعتقد بنيامين نتنياهو بأن السلام هو أكبر خطر يهدد وحدة الإسرائيليين وأنه إذا تخلت إسرائيل عن عقلية القلعة ونزل الشعب الإسرائيلي من أبراج الدبابات وخسر أعداءه، الذين يفرضون وحدته فرضا، فإن زوال الدولة الإسرائيلية سيكون قريبا وهو، أي نتنياهو، يعتقد أيضا أنه من الضروري أن تبقى إيران قوة رئيسية في هذه المنطقة لأن بقاءها قوة إقليمية في هذه المنطقة سيبقى يشكل عامل استنزاف للعرب وعامل خلاف بينهم، على غرار ما هو قائم في الفترة الحالية.

وهكذا فإنه ليس أمام الأميركيين، إن هم أرادوا اقتلاع جذور الإرهاب من الشرق الأوسط، وإن هم أرادوا الحفاظ على مصالحهم الحيوية في هذه المنطقة الاستراتيجية المهمة، إلا كسر هذه المعادلة الشرق أوسطية القائمة الآن على أساس أن إيران وإسرائيل رقمان أساسيان، والقائمة أيضا على أن إفشال عملية السلام يشكل هدفا مشتركا للإيرانيين والإسرائيليين، مع العلم أن كسر هذه المعادلة لا يمكن أن يتم إلا بإنجاز حل سلمي حقيقي وفعلي للقضية الفلسطينية وضمان انسحاب القوات الإسرائيلية من كل الأراضي العربية التي احتلت في يونيو (حزيران) عام 1967.

إن كل هذه المعالجات الأميركية ستبقى قاصرة وإن انهيار عملية السلام التي هي على وشك الانهيار سيوفر البيئة التي يريدها الإرهاب ليتجذر في هذه المنطقة كما هو يتجذر الآن في أفغانستان والعراق والصومال واليمن، وبالتالي فإنه لا بد من إزاحة بنيامين نتنياهو عن موقع الحكم كما أزاحه بيل كلينتون من رئاسة الوزراء في عام 1999 ولا بد أيضا من التعاطي مع إيران بغير هذا الأسلوب المائع الذي بالنتيجة سيؤدي إلى تمكنها من تحقيق هدفها بأن تصبح دولة نووية.

لقد جرى تسريب معلومات تشير إلى أن بنيامين نتنياهو قد عاد من رحلته التفاوضية الأخيرة إلى الولايات المتحدة باتفاق يشمل خمس نقاط مقابل موافقته على تجميد الاستيطان في الضفة الغربية باستثناء القدس الشرقية، والمؤكد أن هذه المنطقة إذا صحت هذه التسريبات ستشهد زلازل إرهابية هائلة وخلال فترة قريبة، إذ إن هذه النقاط الخمس التي يتم التهامس بها عبارة عن قنابل موقوتة سيرفضها الفلسطينيون والعرب حتما وستكون النتيجة كوارث مؤكدة للمصالح الأميركية في هذا الشرق الأوسط الممتد من شواطئ البحر الأبيض الشرقية وحتى قندهار في أفغانستان.